CGTN العربية/
لن ينكر أحد جهود رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين في إنشاء منظمات دولية ومكانتهم الرائدة في هذه المنظمات. ومع ذلك، كل هذا أصبح تاريخا. منذ تولي دونالد ترامب منصبه، حرص على انسحاب الولايات المتحدة من مختلف الآليات الدولية – اتفاقية باريس للمناخ واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ واليونسكو والاتفاق النووي مع إيران ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات، مما صدم العالم.
وصف ترامب انسحابه من المنظمات بـ “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، لكن هذا مجرد ذريعة. إن الانسحاب من المنظمات هو في الواقع نفعية سياسية من أجل حل المشاكل الاقتصادية الأمريكية.
فجوة بين الأغنياء والفقراء
ما مدي اتساع فجوة الدخل في الولايات المتحدة؟ أشار الاقتصاديون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه في عام 2018، كان أغنى أسر في الولايات المتحدة والذين يمثلون 10% يمتلكون 70% من ثروة البلاد، والتي كانت 60% في عام 1989. في حين أن ثروة الطبقة العليا ارتفعت بشكل كبير، فإن الطبقات المتوسطة والفقيرة لديها “نمو صافي صفري في الثروة” في العقود الثلاثة الماضية.
هذه هي النتيجة الحتمية للنظام الرأسمالي، فالسعي وراء الأرباح الضخمة يسمح لقلة من الناس بالسيطرة على معظم الثروة. أظهرت البيانات الصادرة عن مرکز “بیو” الأمريكي للأبحاث أنه من عام 1971 إلى عام 2011، انخفضت نسبة الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة بنسبة 10%. كما أدى معدل نمو الدخل غير المتكافئ إلى زيادة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لم يحاول ترامب أبدا إجراء أي إصلاحات جوهرية لحل هذه المشكلة التي ابتلي بها المجتمع الأمريكي لعقود.
موجة مناهضة للعولمة
لقد جعلت العولمة مشاكل أمريكا الاقتصادية المحلية أسوأ. في عصر العولمة، يمكن للشركات الأمريكية العثور بسهولة على قطع غيار وعمالة تصنيع منخفضة التكلفة في البلدان النامية. يعد نقل المصانع إلى الدول النامية خيارا لا مفر منه للشركات الأمريكية الهادفة إلى كسب الأرباح. فإن جوهر الرأسمالية هو السعي وراء الربح وليس المساواة الاجتماعية. بسبب تكلفة إنتاج أقل وسهولة الدخول إلى الأسواق الجديدة، كسب الأغنياء الأمريكيون الكثير من الأموال من العولمة، لكن العمال الأمريكيين ذوي الياقات الزرقاء أصبحوا ضحايا، لأن تقلص الصناعة التحويلية المحلية يعني فقدان الوظائف.
أسلوب ترامب
لكن هؤلاء الأمريكيين في الطبقة الدنيا لديهم الأصوات، وفي النهاية وضعوا دونالد ترامب الأحادي على عرش الرئيس. في مواجهة فجوة الثروة الهائلة التي ابتليت بها الولايات المتحدة لعقود، يتمثل الحل الذي يقدمه ترامب في التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الاقتصادات الناشئة في انكماش الصناعة التحويلية وارتفاع معدل البطالة واتساع فجوة الدخل في الولايات المتحدة. في هذا السياق، شن حربا جمركية عالمية وقاد الولايات المتحدة إلى انسحاب جنوني من مختلف المنظمات والاتفاقيات الدولية.
يعرف السياسيون الأمريكيون جيدا أن جوهر المشكلات الاقتصادية على مدى عقود كان الرأسمالية الساعية للربح، وليس العولمة.
بصفته رئيسا يتمتع بخلفية تجارية، فإن ترامب لا يريد أن يسيء إلى الأغنياء، ويلقي باللائمة في جميع المشكلات الاقتصادية على العولمة. هذا النهج غير مسؤول ولن يحل أي مشاكل. أظهرت خطورة المشكلة الاقتصادية الأمريكية أن ترك المشكلة على الرفوف لن يؤدي إلا إلى تفاقمها.