CGTN العربية/
في الأيام القليلة الماضية بعد وفاة جورج فلويد، عمت احتجاجات على أرض 70 مدينة بالولايات المتحدة نذكر منها: أتلانتا ودنفر ونيويورك وفونتانا. قام المحتجون بتدمير المباني عن آخرها وتحطيمها وحرقها بينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل والرصاص المطاطي. فرضت بعض المدن حظر التجول في محاولة منها لوقف الاشتباكات، بيد أنه لا توجد أية بوادر تشير إلى توقف تلك المظاهرات في وقت قريب.
وليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد أعمال شغب من هذا القبيل بسبب الصراعات العرقية، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة في أغسطس عام 2017، بين جماعات “تفوق البيض” والمتظاهرين المضادين لهم في فيرجينيا. ولقد فاقم فيروس كورونا واقتراب الانتخابات الرئاسية من المشكلات الهيكلية التي تسببها العنصرية، وصار احتواء هذه المشاكل صعبا للغاية.
أولا، تشكيلة الشعب الأمريكي عبارة عن المهاجرين من أصول مختلفة. ومع انتقال موجات الجماعات العرقية إلى البلد، خضعت التركيبة السكانية العرقية لتغيرات ديناميكية وإعادة تنظيم، مما أضفى خطورة للتمييز العنصري المحتمل.
ثانيا، من منظور ديني وثقافي، ترغب كل مجموعة عرقية في الاحتفاظ بمعتقداتها الدينية وقيمها الثقافية. لطالما تباهت الولايات المتحدة بنظرية “انصهار العرقيات” التي مفادها أن جميع المهاجرين سيصبحون أمريكيين دون أي تمييز، وسيقدمون مساهمات مميزة في الثقافة الوطنية بغض النظر عن أصولهم. ولكن هذا ليس حال اليوم، فتتجه البلاد نحو ما يشبه لوحة من الفسيفساء أو خليط من المجموعات العرقية المختلفة.
ثالثا، لم يتم القضاء على إرث العبودية السام في البلاد. فقد تم إلغاء العبودية منذ فترة طويلة، لكن الأيديولوجية العنصرية ما زالت تعيش في أذهان بعض الأمريكيين. على الرغم من ظهور رئيس أمريكي من أصل أفريقي باراك أوباما، لا يزال الأمريكيون الأفارقة متخلفين عن البيض والعرقيات الأخرى في الفرص السياسية والمالية. مازال أمام الولايات المتحدة طريق طويل لتحقيق المساواة العرقية.
المشاكل الهيكلية الاجتماعية التي يسببها التمييز العنصري لم تكن واضحة من قبل، ولكن في ظل أزمة الجائحة الحالية، ظهرت تلك المشاكل على نحو أسرع وأشد، وعواقبها الوخيمة تفرض على الحكومة الأمريكية عدم غض الطرف عنها.
وفقا للإحصاءات الصادرة على وسائل الإعلام الأمريكية، فإن الأمريكيين الأفارقة يعانون من أمراض مزمنة تفاقم من عوارض بكوفيد-19 مثل مرض القلب والسكري والربو والسمنة، لكن ليس هذا السبب الأساسي الذي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، وإنما الظروف المعيشية المتخلفة نسبيا عن باقي العرقيات الأخرى.
على سبيل المثال، تركت عقود من الفصل العنصري وسياسات الإسكان التمييزية العديد من الأمريكيين الأفارقة يعيشون في مناطق أكثر كثافة سكانية، وهذا يثعب من الحفاظ على البعد الاجتماعي وحيث يكون تلوث الهواء أكثر شدة، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالربو وأمراض أخرى.
ولم يتلق بعضهم التعليم العالي، وبالتالي لديهم أقل قدرة على الوصول إلى المعلومات الضرورية في مواجهة الوباء وعلى الاعتماد على مهاراتهم للتغلب على الضائقة الاقتصادية.
ستظل مشاكل الولايات المتحدة العرقية دون حل على المدى الطويل. أما بالنسبة للاتجاهات الديموغرافية طويلة المدى، فإن الشعور بأزمة الهوية بين البيض يزداد سوءا. فقد أظهرت بعض الدراسات أن عدد الأمريكيين البيض في انخفاض، وقد تفقد المجموعة مكانتها كأغلبية بحلول عام 2050.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد، فيعتقد بعض الأمريكيين البيض أن المجموعات العرقية الأخرى والمهاجرين يسلبون وظائفهم. حتى أن العديد من البيض يفسرون سياسة ترامب المعروفة باسم “أمريكا أولا” على أنها “البيض أولا”. في موسم الانتخابات الرئاسية الحالي، سيعزز خطاب ترامب وتكتيكاته من دعم الناخبين البيض المتشددين له، وذلك بسبب شعورهم بالتفوق العرقي.
وتحت تأثير الوباء والانتخابات الرئاسية، باتت المشاكل العرقية الهيكلية والنظامية تطفو على السطح، كما بدا التباين واضحا بخصوص حصول طبقات ومجموعات عرقية على الموارد الطبية مقارنة مع عرقيات أخرى. وبالتالي فإن هكذا اختلافات عرقية ترتبط وتؤثر بشكل مباشر على حياة الناس اليومية، من شأنها أن تدفع البلاد إلى حافة الانقسام بشكل أكبر وأعمق.