شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
العلاقات الصينية – الأسترالية إلى أين؟
بقلم: عادل علي*
*إعلامي وباحث في الشؤون الصينية – مصر
منذ اعتراف أستراليا بجمهورية الصين الشعبية في ديسمبر عام 1972، مثّل الطابع التعاوني والثقة السياسية المتبادلة طيلة ما يقرب من خمسين عاما السمة المميزة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بمختلف أبعادها ومجالاتها سواء في الإطار الثنائي أو الجماعي متعدد الأطراف، واستفادت أستراليا بدرجة كبيرة من التنمية الصينية،إذ أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لها. لكن هذه العلاقات بدأ يشوبها خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديدا منذ عام 2018، توترا متناميا غير مسبوق، وصل لدرجة تلويح وسائل إعلام رسمية صينية ومسؤولين أستراليين بالحرب، نتيجة العديد من العوامل والاعتبارات، وتنوعت ملامح هذا التوتر ومؤشراته، وكان له تداعياته الاقتصادية على الجانب الأسترالي، ولعبت العلاقات بين الولايات المتحدة وأستراليا دورا كبيرا في تأجيجه.
أحدث ملامح ومؤشرات هذا التوتر المتصاعد بين بكين وكانبيرا، تجلت يوم 27 مايو الجاري، عندما بدأت الصين محاكمة الكاتب الأسترالي من أصل صيني يانغ جون بتهمة التجسس، وذلك بعد مرور ما يربو على عامين على اعتقاله. وهي خطوة أعربت أستراليا عن مخاوفها بشأن شفافيتها، ووصفتها بأنها “اعتقالا تعسفيا”.
قبل الخطوة المشار إليها،أعلنت الحكومة الفيدرالية الأسترالية في نهاية أبريل الماضي، على لسان ماريز باين وزيرة خارجيتها، إلغاء الاتفاقات التي أبرمتها ولاية فيكتوريا مع الصين في عامي 2018 و2019، المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بدعوى تعارضها مع نهج السياسة الخارجية لبلادها، وفي تأكيد على رغبة الحكومة الأسترالية في انتهاج سياسة خارجية تهدف إلى خلق “عالم يبحث عن التوازن لصالح الحرية” على حد قول رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون.
وهو القرار الذي اعتبرته بكين بمثابة “استفزاز”، ووصفته بأنه تدخل تعسفي في التعاون والمبادلات الطبيعية،ويشكل مساسا خطرا بالعلاقات الصينية – الأسترالية والثقة المتبادلة بين البلدين، كما أنه يدل على افتقاد الحكومة الأسترالية لأي صدقية في تحسين العلاقات.
فماذا وراء هذا التوتر المتصاعد في العلاقات الصينية – الأسترالية؟
هناك جملة من العوامل والاعتبارات تقف وراء هذا التوتر الحاد في العلاقات بين الصين وأستراليا، ترتبط بالعديد من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية التي تندرج في سياق العلاقات بين البلدين، وهي عوامل كشفت عنها مواقف وتصريحات عدة صادرة عن بكين وكانبيرا.
بصفة عامة، يمكن إرجاع بداية تدهور العلاقات الثنائية بين الصين وأستراليا إلى عام 2018، عندما قامت الأخيرة في أغسطس من العام المذكور باستبعاد شركة هواوي تكنولوجيز الصينية العملاقة للاتصالات من توريد معدات شبكة الجيل الخامس للمحمول في البلاد، في خطوة عزتها إلى مخاطر التدخل الأجنبي والاختراق الإلكتروني، وهو ما رفضته بكين باعتباره تبريرا للتعاطي غير العادل بحق الشركة الصينية. وحثت الحكومة الأسترالية على التخلي عن التحيزات الأيديولوجية وتوفير بيئة منافسة عادلة لعمليات الشركات الصينية في أستراليا.
ومما فاقم من التوتر بين البلدين، انضمام أستراليا في عام 2020 إلى الولايات المتحدة في المطالبة بإجراء تحقيق دولي حول منشأ فيروس مرض كورونا المستجد (كوفيد -19)، الأمر الذي أثار غضب الصين التي نددت بدوافع سياسية خلف هذا الطلب.
ليس هذا فحسب، وإنما امتدت دوافع التوتر لتشمل أيضا قيام أستراليا بانتقاد ما تزعم أنه قمعا تمارسه الصين ضد المعارضة المطالبة بالديمقراطية في منطقة هونغ كونغ الصينية الإدارية الخاصة. وقامت في يوليو 2020 – ردا على إقرار بكين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ -بتعليق العمل بمعاهدة تبادل المطلوبين مع هونغ كونغ، وحذرت رعاياها المقيمين هناك من خطر تعرضهم للاعتقال بموجب القانون، الذي وصفت بنوده بأنها “مبهمة”.
وعلقت الصين على قيام أستراليا بإصدار تأشيرة لسكان هونغ كونغ الذين يطلبون اللجوء بسبب شواغل تتعلق بحقوق الإنسان، بتأكيد أن موقفها بشأن القضايا المتعلقة بهونغ كونغ ثابت وواضح. وحثت أستراليا على الكف عن التدخل في شؤون هونغ كونغ والشؤون الداخلية للصين، لتجنب إلحاق المزيد من الضرر بالعلاقات بين البلدين.
أحد الاعتبارات الأخرى المهمة وراء توتر العلاقات بين بكين وكانبيرا، يكمن في موقف الأخيرة تجاه القضايا المتعلقة بتايوان. وفي هذا الإطار، حثت الصين أستراليا على الالتزام بمبدأ صين واحدة والتعامل بحكمة مع القضايا المتعلقة بتايوان،مشددة على أن الالتزام بهذا المبدأ مطلب متأصل لتنمية العلاقات بين الصين وأستراليا.
في ضوء الاعتبارات والمؤشرات سالفة الذكر، ترتب على التوتر في العلاقات الثنائية بين الصين وأستراليا حدوث العديد من التداعيات، ولاسيما في الجانب الاقتصادي والتجاري. فقد اتخذت الصين في عام 2020 عددا من الإجراءات الاقتصادية العقابية ضد أستراليا. ففي بداية نوفمبر 2020، حظرت وكالة الجمارك الصينية استيراد الأخشاب من ولاية كوينزلاند الأسترالية. هذا بالإضافة إلى الخسائر المالية التي تكبدتها أستراليا نتيجة توقف صادراتها إلى الصين، والتي بلغت نحو 530 مليون دولار نتيجة توقف صادراتها من الكركند الحي إلى الصين، علاوة على احتمالية خسارتها ما يُقدر بنحو 394 مليون دولار نتيجة تخطيط بكين لحظر واردات القمح الأسترالي.
وقد بلغت خسائر أستراليا 20 مليار دولار على مدار عام 2020، نتيجة الحظر التجاري والتعريفات الجمركية التي فرضتها الصين على الصادرات الأسترالية.
وأعلنت وكالة التخطيط النافذة في الصين تعليق “الحوار الاقتصادي الاستراتيجي الصيني – الأسترالي”، و”جميع الأنشطة” المتعلقة به إلى أجل غير مسمى. ومن الجدير بالذكر أن هذا الحوار تم تدشينه في عام 2014، بهدف تشجيع الاستثمارات وتوطيد الروابط الاقتصادية بين البلدين.
واتهمت وكالة التخطيط كانبيرا بالسعي إلى تعطيل التبادلات الطبيعية والتعاون مع الصين، في ذهنية حرب باردة وتمييز عقائدي. وقد علق وزير التجارة الأسترالي دان تيهان على القرار، معتبرا قرار بكين “مخيبا للأمل”. لكنه قلل من شأنه، في ظل عدم إجراء البلدين أي محادثات في سياق الحوار الاقتصادي منذ عام 2017.
نأتي الآن إلى المتغير الخاص بدور الولايات المتحدة في تأجيج التوتر بين الصين وأستراليا. حيث يمكن القول إن ثمة دورا أمريكيا لا تخطئه العين في تفسير التوتر الذي يشوب العلاقات الصينية – الأسترالية خلال الفترة الأخيرة، في ضوء علاقات الشراكة والتحالف الوثيق التي تربط بين واشنطن وكانبيرا من جهة، وتوجهات الإدارة الأمريكية العدائية تجاه الصين في سياق رؤيتها للأخيرة بأنها منافس لها من جهة أخرى.
والشاهد على ذلك أن ثمة توافقا وتشابها في سياسات ومواقف واشنطن وكانبيرا تجاه بكين، تجلى في قيام البلدين باتخاذ سلسلة من الخطوات التي تحمل في ثناياها توجها عدائيا تجاه الصين. من قبيل تشابه موقف البلدين تجاه شركة هواوي تكنولوجيز الصينية للاتصالات.
في هذا الإطار، أعلنت واشنطن على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكنعن دعمها أستراليا في مواجهة ما أسماه الاكراه الاقتصادي الصيني. وانتقدت واشنطن بصورة متكررة ما تصفه بمحاولات بكين للتنمر على الجيران الذين لهم مصالح تتضارب مع مصالحها، كما يسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تعزيز العلاقات مع الحلفاء في المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة قوة الصين المتنامية.
ويصف رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الولايات المتحدة بأنها أهم شريك أمني لبلاده منذ الحرب العالمية الثانية، فضلا عن كونها أساس سياستها الدفاعية. حيث كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في أواخر مايو الجاري عن قيام الحكومة الأسترالية بإجراء محادثات مع الولايات المتحدة بهدف تصنيع صواريخ أمريكية على أراضيها. ويتطلع الجيش الأمريكي إلى تخزين الذخيرة وغيرها من المعدات القتالية بما في ذلك الصواريخ في قواعد شمال أستراليا، وهي الأقرب إلى الصين.
وعلى الرغم من عدم توصل الطرفين إلى أي اتفاق حتى الآن، فإن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون صرح بأن الحكومة تخطط لإنفاق مليار دولار لإنتاج صواريخ متطورة في أستراليا. وفي 1/12/2020، أعلنت وزيرة الدفاع الأسترالية ليندا رينولدز أن بلادها ستشارك مع الولايات المتحدة في تطوير صواريخ “كروز” تفوق سرعتها سرعة الصوت، في محاولة لمواجهة الصين وروسيا اللتين تطوران أسلحة مشابهة.
وتُعد الولايات المتحدة وأستراليا جزءا من التحالف الرباعي “كواد” الذي يضم أيضا اليابان والهند. ويرمي هذا التحالف الذي تأسس عام 2007 إلى إقامة توازن قوى مع الصين في آسيا والمحيط الهادئ والتصدي لنفوذها المتصاعد هناك. وقد عقد قادة التحالف – للمرة الأولى –قمة عبر رابط فيديو في مارس الماضي،بهدف تنسيق المواجهة مع الصين في منطقة آسيا – المحيط الهادئ. وأجرت دول التحالف أربع مناورات بحرية في نوفمبر الماضي في خليج البنغال وبحر العرب، شاركت فيها أستراليا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
خلاصة القول، ثمة حاجة إلى تحرك من جانب أستراليا لإعادة العلاقات مع الصين إلى مسارها الصحيح، يبدأ بالموازنة بين المصالح والمكاسب المترتبة على علاقاتها مع الصين من جهة، وتلك المرتبة على علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، والتي تميل كفتها لصالح أولوية العلاقات مع بكين، للعديد من الاعتبارات الجيوستراتيجية، علاوة على – وهو الأهم – الاعتبارات الاقتصادية والتجارية. بما يؤدي إلى تحسين الثقة المتبادلة والتعاون وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
*المقالة تعكس الرأي الشخصي للكاتب و ليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الشبكة.