شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
دكتورة يلينا ريزونينكو المومني*
وهكذا، وبعد ان انقشعت، عملياً، غيمة كورونا عن الصين، صارت الانقشاعات تتوالى في بلدان العالم، وتراجع نهم وخيالات وأجندات أصحاب القصص والروايات التي روّجها بعض مَن يُسمون أنفسهم ب”خبراء ومتخصصين بالقضايا الصينية”، ممن حملوا بشدة على الصين طوال الفترة الماضية:
أولاً: على الصين في هونغ كونغ في سعي للابقاء على نفوذ أجنبي فيها وضبط إيقاعها السياسي والاقتصادي، لالحاقها بالغرب الجغرافي؛
وثانياً: على الصين كذلك في شينجيانغ الصينية نفسها التي تأكّد للعالم استقرارها القومي والعرقي والسياسي وآمان شعبها الصيني، الذي لم ولا ولن يقبل التدخل السياسي في شؤونه الخاصة.
وفي المرة الثالثة: الآن، ها هي الصين تنتصر بارادتها وسواعدها الصينية على مساحة الوطن الصيني كاملاً، حين تتعرى الفبركات وتظهر حقائق كورونا كما هي بدون رتوش: مَن هو المُصنّع للفايروس الذي تعجز الطبيعة عن تخليقه سوى بعد بضع الملايين من السنين؛ ومَن هو مروّجه سراً؛ ومَن أحضره إلى الصين وقذف به بين ناسها في المطاعم ومواقع الحشودات الشعبية؛ محاولاً نسف شعب الصين بدون تفجير مدوٍ أو نووي، لكنه فشل ورُدَّ على أعقابه بمواجهة انضباطية من القيادة الحزبية والحكومية الصينية وشعبها، فتكشف الغث من السمين، والصحيح من الخطأ، والصديق من العدو.
أعداء الصين لا يطيقون أدراك حقيقة واضحة وضوح قرص الشمس الساطع في وضح النهار: الصين ليست ككل الدول، والشعب الصيني ليس كأي شعب آخر. الصين دولة واضحة المَعَالم والحروف والكلمات، ولذلك ترى طريقها بوضوح، وتسلك سبيلها بروية وبدون اعوجاج، وتحلّق باتجاه هدفها مستقيمة بلا ابطاء، لذلك تمكنت خلال أسابيع قليلة محاصرة الفايروس، وشل قدراته وقدراته مُخلّقيه، وتعرية المؤامرة كما لم تتمكن من ذلك حتى الآن أية دولة أخرى وبينها الكبرى، وأية تقنيات، وأي علماء وجهابذة، في رأسمالية الشرق والغرب والعالم الجديد- الآفل..
في طبيعة الانسان الصيني والصين، وفلسفة الصينيين، تقاسم المنافع والارتقاء بالانسانية وحياتها الروحية ضمن تعاونها الشامل، ونبذ الاحتكار بأشكاله، والمساهمة في عملية الوعي الشامل للجميع.
ترى الصين وإرثها الحضاري، أن قدرة الإِنسان على الاندماج والانسجام مع كونه الذي يعيش فيه، أي أن يستقر ويبُدع ويعمل وفق فهمه لمكانه وقيمته وإمكاناته ودوره في هذه الحياة (1).
لذلك، نلمس أن الثقافة الصينية، منذ الأزال وإلى اليوم، تعمل في مسرب المساهمة برفع الأثقال عن الآخرين، تبعاً لمنصوص الحضارة الصينية وثقافة الصينيين المُنغرسة في عقولهم منذ أُلوف السنين، ولا يستطيعون فكاكاً عنها، وكان لهذه الأسباب كلها الفضل في تعبئتهم فكرياً بصورة صحيحة واستمساكهم بالانضباطية ونظرة واحدة للكون ترى في الجميع روح أنسانية موحّدة وإن اختلفت الأسماء والألون والألسن، فقد انغرست في الصينيين طبيعة آسيوية – شرقية الملامح والأهداف، روحية المرامي، ترى في نجاحهم نجاح للآخر الفرد، وللجميع – المجتمع، ونجاح الآخر الانساني هو نجاح للكل مع الكل أيضاً.
هذه كلها تقاليد قديمة تطوّرت في عقيدة الحزب الشيوعي الصيني منذ ما قبل تسنّمه الحكم، وغدت وعياً جمعياً عميقاً بعد تحرير الصين من الاستعمار الياباني، قبيل بدء الحرب العالمية الثانية، حيت كلّف ذلك الصين عشرات ملايين الشهداء، وأكثر منهم عدداً من الجرحى والمعوقين والمفقودين والنساء المُعتدى عليهن.. ففي عام 1931 اعتدت اليابان على شمال شرقي الصين، وابتداء من عام 1937، وسّعت اليايان الحرب إلى شمال وشرق وجنوب الصين، ثم اعتدت على كل منطقة جنوب شرقي آسيا. كان جيش العدوان الياباني يقتل المدنيين من أبناء الصين، وينهب الممتلكات في كل مكان يصله، وارتكب جرائم وحشية ليس لها مثيل في تاريخ البشرية الحديث. لقد كان هذا العدوان نكبة قومية كبيرة للشعب الصيني، وقد خسرت الأمة الصينية في هذه الحروب خسائر فادحة، حيث بلغ عدد القتلى والجرحى خمساً وثلاثين مليوناً، وتجاوزت الخسائر الاقتصادية 600 مليار دولار أمريكي. (2)
للدلالة على حكمة الصين وقيادتها السياسية، التي تظهر واضحة في الاخطار التي تحيق بالعالم، فقد قال الأمين العام شي جين بينغ، خلال اجتماع حول مكافحة الأوبئة، أنه “يجب توسيع التعاون الدولي والإقليمي.. ويجب مواصلة التواصل الجيد مع منظمة الصحة العالمية.. وتبادل الخبرات فيما بين البلدان… وأن الصين ستتحمل مسؤولياتها كدولة رئيسية وتقدم المساعدة اللازمة للبلدان المتضررة من فيروس كوفيد-19.. بينما قال رن لين، باحث أول بمعهد الاقتصاد العالمي والسياسة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن التعاون هو الخيار الأفضل للدول لمواجهة التحديات التي يفرضها الوباء. وأضاف رين، إن تفشي المرض يوفر فرصة للدول لإعادة النظر في الحاجة إلى تحسين الحوكمة العالمية في مجال الصحة العامة من خلال تعزيز التعاون وتعزيز الاستجابة للطوارئ والقدرة على الوقاية من المخاطر.
هذه هي بالذات النظرة الصينية العمية والانسانية لاحداث العالم وشعوبه.
في الأخبار، أن الصين وجّهت مساعدات طبية لعدد من دول العالم للتغلب على كورونا، وجسّرت التواصل العالمي بوافع إنسانية محض، وعلى حساب خزينتها الوطنية ولم تكلف دولة ما فلساً واحداً، لكونها تعلم أن سعادتها تكمن في إسعاد الشعوب الأخرى، وليس شعبها وحده فقط. فالصين تشارك السعادة البشرية مع غيرها، ولا تحتكرها بين جدرانها الكبيرة، ولا خلف سورها التاريخي العظيم الذائع الصين من الغلاف الخارجي للكرة الأرضية حتى، ولا تحجر عليها أبداً، بل تعرضها على كل مَن يمد يد الصداقة والتعاون إليها.
في الاخبار التي لا تذاع في الغرب للأسف، أن الامين العام شي جين بينغ، كشف خلال محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، إن الصين “سترسل مزيداً من الخبراء الطبيين إلى إيطاليا، وستبذل قصارى جهدها لتقديم إمدادات طبية ومساعدات أخرى”.
وفي مساعدات إنسانية أخرى، سلمّ الصليب الأحمر الصيني دفعة من المساعدات الطبية لتعزيز قدرات السلطات الصحية العراقية في مجابهة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وتشتمل على أجهزة ومستلزمات طبية، وقال السفير الصيني في العراق تشانغ تاو، في كلمة له، خلال حفل تسليم المساعدات والمستلزمات الطبية، إن “هدف زيارة فريق الخبراء الصينيين إلى بغداد هو مشاركة الخبرات الصينية مع نظرائهم العراقيين”، وأنه “سيتم إنشاء مختبر جديد لتشخيص فيروس كورونا المستجد”، مضيفاً: “يمكن تشغيل واستخدام هذا المختبر في الأسبوع المقبل”.
كما وصلت الدفعة الأولى من المساعدات الطبية المقدمة من الصين إلى صربيا، للمساعدة فى محاربة مرض فيروس كورونا. وقالت الحكومة الصربية، في بيان صحفي، إن الشحنة تضمنت 1000 من أدوات اختبار سريع صنعتها شركة (بي جي آي جينوميكس)، ومقرها شنتشن الصينية، وتبرعت بها المنظمة الإنسانية الصينية (ماموث فاونديشن).
هذا غيض من فيض الصين على العالم، طبيعتها الطيبة ورجاحة عقلها الجمعي، وهي بهذا كله وغيره تنضب خيراً ونعومةً على الامم في طبيعة علاقاتها الدولية، وعلى العالم الاعتراف بهذا كله، والاستمساك بالصين قاهرة المستحيلات، وإلا سيفقد العالم نفسه، وستُضيّع البشرية ذاتها وينقلب التاريخ ليعود القهقرى الى شريعة الغاب، فتندم الناس وتتأسف على ما ضاع.. ونأمل أن لا يضيع مع رجاحة العقل الصيني وذكاء الخطوات الصينية.
………..
المراجع:
1/الاستاذ وائل القاسم. “الجزيرة”:
https://www.al-jazirah.com/2015/20150829/cu16.htm
2/مجلة (الصين اليوم) النسخة العربية، عدد7/تموز/يوليو/2005م.
http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/200n/5n7/p8.htm
#يلينا #ريزونينكو_المومني: كاتبة وأستاذة شعبة اللغة الروسية في الجامعة الاردنية، وعضو مُتخصّص في قيادة الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين، ومنتدى قراء مجلة “الصين اليوم” ومجلة “مرافئ الصداقة” لإذاعة الصين الدولية.
*التدقيق اللغوي والتحرير الصحفي: الأكاديمي مروان سوداح.
*المراجعة والنشر: عبد القادر خليل
من أروع و اجمل المقالات .
صدقت استاذ وائل العبسي الأكرم. بالمناسبة دكتور الاسنان الاردني الذي اتعالج انا عنده هو يحمل نفس اسمك .. العبسي..!! ربما انتم أقرباء..!
وهو خريج روسيا..