ومع تزايد أهمية دورها في التجارة العالمية، أصبح للصين شركاء تجاريون في أكثر من 230 دولة ومنطقة حول العالم، ويتجاوز حجم التجارة اليومية 100 مليار يوان (15.7 مليار دولار أمريكي). وشهد الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني نموا سريعا في العام الجاري وسط سلسلة من السياسات لتحسين بيئة الأعمال.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، اجتذبت المناطق التجريبية الـ21 للتجارة الحرة في البلاد، التي تغطي أقل من 0.4% من مساحة أراضي البلاد، 18.6% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر، وفقا لوزارة التجارة الصينية. وأصبحت الصين على نحو متزايد نقطة جذب للشركات الأجنبية التي تتطلع إلى المكاسب الهائلة لمخططات مناطق التجارة الحرة.
وأظهر تقرير صادر عن مكتب شانغهاي لبنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أن المؤسسات الخارجية تحتفظ بـ3.93 تريليون يوان (617 مليار دولار أمريكي) من سندات السوق الصينية بين البنوك حتى نهاية نوفمبر الماضي. وأظهر التقرير أن 10 مستثمرين مؤسسيين أجانب جدد دخلوا الشهر الماضي سوق السندات بين البنوك في الصين، ليصل العدد الإجمالي إلى 1010.
وتم إدراج سندات الحكومة الصينية في “فوتسي راسل”، أحد المزودين الثلاثة الرئيسيين لمؤشرات السندات في العالم، في نهاية أكتوبر الماضي. وقام المزودان الرئيسيان الآخران لمؤشر السندات، بلومبرغ باركليز وجيه بي مورغان، بإدراج سندات الحكومة الصينية في مؤشريهما في أبريل عام 2019 وفبراير عام 2020 على التوالي.
وتعد الصين حاليا ثاني أكبر سوق سندات في العالم، حيث يبلغ حجم السوق أكثر من 120 تريليون يوان (18.9 تريليون دولار أمريكي)، وفقا لبنك الشعب الصيني. ووفقا لمطلعين على الصناعة، يظهر توسع حجم السوق الصينية ووصولها إلى المزودين الثلاثة الرئيسيين لمؤشرات السندات أن المستثمرين الدوليين متفائلون بشأن النمو الاقتصادي المستقر للصين على المدى الطويل.
وقال تسوي فان، أستاذ من كلية الاقتصاد والتجارة الدولية لجامعة الأعمال والاقتصاد الدولية “منذ بداية العام الجاري، حقق الانفتاح الصيني نتائج ملحوظة مع نقاط بارزة. وسيلعب الانفتاح في نطاق أوسع وعلى مستوى أعمق دورا محوريا في تسريع إنشاء نمط تنموي جديد، وتعزيز التنمية عالية الجودة لاقتصاد الصين، وتوفير قوة دافعة مستدامة للانتعاش المطرد للاقتصاد العالمي”.
يمر العالم اليوم بتغيرات كبيرة لم نشهدها منذ قرن من الزمان بالتشابك مع جائحة “كوفيد-19″، ويواجه رياحا معاكسة مع العولمة العكسية والأحادية والحمائية. وشدد الرئيس الصيني شي جين بينغ في مناسبات عديدة في العام الجاري، على قرار بلاده الحازم بتوسيع انفتاحها والدفاع عن التعددية.
وفي اجتماع “أجندة دافوس” للمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير، شدد شي على أن الصين ستواصل تنفيذ إستراتيجية انفتاح مربحة للجميع. وفي أبريل، دعا شي إلى بناء اقتصاد عالمي مفتوح في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمنتدى بوآو الآسيوي لعام 2021.
وقال شي في قمم دولية ملحقة بمنظمة شانغهاي للتعاون ودول البريكس ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (الأبيك) ومجموعة الـ20، إن الصين ستتمسك بسياستها الوطنية الأساسية المتمثلة في الانفتاح، وستعزز الانفتاح المؤسسي الذي يشمل القواعد واللوائح والإدارة والمعايير.
وأشار شي إلى أن الانفتاح يمثل سمة مميزة للصين المعاصرة في حفل افتتاح الدورة الرابعة لمعرض الصين الدولي للاستيراد في نوفمبر الماضي.
وقال شي للعالم “بالنسبة للصين، لن نغير عزمنا على الانفتاح على نطاق أوسع وبمعايير عالية؛ ولن نغير عزمنا على تقاسم فرص التنمية مع بقية العالم؛ ولن نغير التزامنا بعولمة اقتصادية أكثر انفتاحا وشمولية وتوازنا وفائدة للجميع”.
الانفتاح ليس تشدق الصين بالكلام، بل إنه إجراءات عملية. وشهد العام الجاري إطارا أوضح للانفتاح المؤسسي في الصين مع مناطق التجارة الحرة في طليعة الإصلاح. وستتمتع هذه المناطق بقدر أكبر من الاستقلالية في الإصلاحات، في ضوء دورها في تسهيل الابتكار المؤسسي للبلاد على مدى السنوات الثماني الماضية منذ إنشاء أول منطقة تجريبية للتجارة الحرة في شانغهاي.
وبعد خمس جولات من التوسع، تمتلك الصين الآن 21 منطقة تجريبية للتجارة الحرة، وتمثل نقاطا بارزة جديدة للإصلاح والانفتاح في البلاد. وقالت وزارة التجارة إن هذه المناطق قدمت 278 ابتكارا مؤسسيا على المستوى الوطني، بما في ذلك الإصلاحات الأساسية مثل القوائم السلبية للاستثمار الأجنبي.
وأظهرت البيانات الرسمية أن الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني في الاستخدام الفعلي ارتفع بنسبة 17.8% على أساس سنوي إلى 943.15 مليار يوان (148 مليار دولار أمريكي) في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري.
وقامت الصين بتقصير القائمة السلبية للاستثمار الأجنبي، وتوسيع الانفتاح في مزيد من قطاعات الخدمات مثل الاتصالات والرعاية الصحية بطريقة منظمة، ووافقت على أول شركة تأمين مملوكة للأجانب بالكامل وأول شركة وساطة مالية مملوكة للأجانب بالكامل.
ولفتح بابها على نطاق أوسع للعالم، ستواصل الصين مراجعة فهرس الصناعات المشجعة للاستثمار الأجنبي وستجذب مزيدا من الاستثمار الأجنبي للتدفق إلى التصنيع المتقدم وصناعات الخدمات الحديثة. ومع اقتراب دخول الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم، حيز التنفيذ في يناير المقبل، ستكون الشركات الصينية الخاصة مشغولة بطلباتها.
ووقعت الصين حتى الآن 19 اتفاقية تجارة حرة مع 26 دولة ومنطقة، حيث ارتفعت مساهمة شركاء التجارة الحرة في التجارة الخارجية الصينية من 12.3% في عام 2012 إلى 35% في العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، تم تحقيق نتائج مثمرة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. وبدأت السكك الحديدية بين الصين ولاوس، التي تربط مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين وفيينتيان عاصمة لاوس، التشغيل الرسمي مؤخرا. كما يحرز خط السكك الحديدية فائق السرعة بين جاكرتا وباندونغ تقدما سلسا في الإنشاءات. وبالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ مشاريع تعاون عديدة.
وقدمت قطارات الشحن بين الصين وأوروبا أكثر من 44 ألف خدمة، وأرسلت البضائع المصنوعة في الصين إلى أكثر من 170 مدينة في 23 دولة أوروبية. وفي الوقت الحالي، وقعت أكثر من 170 دولة ومنظمة دولية على أكثر من 200 وثيقة تعاون لمبادرة “الحزام والطريق” مع الصين، مما يعزز إنشاء 90 آلية تعاون ثنائي.
وتظهر هذه الأرقام أن المبادرة أصبحت أوسع وأكبر منصة للتعاون الدولي والمنفعة العامة الدولية الأكثر شعبية.
وقال قو شيويه مينغ، مدير الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي بوزارة التجارة الصينية “ستعمل الصين على تعزيز الانفتاح عالي المستوى، ودمج نفسها بشكل أعمق في الاقتصاد العالمي، وخلق مزايا جديدة في التعاون والمنافسة الاقتصادية الدولية. ويعد ذلك خيارا إستراتيجيا مهما لتطبيق الفكر التنموي الجديد في المرحلة التنموية الجديدة. ويعد أيضا ممارسة للبناء الاقتصادي الاشتراكي ذي الخصائص الصينية بتوجيه فكر الرئيس شي بشأن الاقتصاد”.
*سي جي تي إن العربية.