البصرة: علي سلمان العقابي
في خطوة تكميلية للحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على الصين، فرضت الخزانة الامريكية عقوبات على 5 شركات صينية كبرى، وأدخلتها القائمة السوداء. تعمل هذه الشركات في مجال تطوير وإنتاج أجهزة الكمبيوتر الفائقة، إضافة الى شركة الهواتف الذكية “هواوي”. الهدف الأمريكي واضح للعيان: محاولة لتضييق الخناق على الاقتصاد والصناعات الصينية، التي تعزّز مواقعها في العالم وتنافس كبريات الشركات العالمية، أضف إليها محاولة أمريكية لابتزاز تلك المؤسسات الصيني بعد أن مُنعت شركات التكنلوجيا الأمريكية من التعامل مع هذه الشركات في خطوة مكشوفة للضغط على الصين.
ادعت وزارة التجارة الأمريكية ان الشركات الصينية تهدد الامن القومي وسياسة الولايات المتحدة، وتدعي ان التطور في مجال تكنولوجيا الكمبيوتر يدخل الصين في تطوير مجالها العسكري، وهو ما يرعب أمريكا وشبكاتها الاستخبارية متخوفة من عمليات اختراق للترسانة الأمريكية المهيمنة على العالم اليوم.
وشملت القائمة كبرى الشركات مثل شركة “sugon” المصنعة للكمبيوترات الفائقة، و3 مؤسسات تابعة لها، وكذلك معهد التكنولوجيات الكمبيوترية “Wuxi Jiangnan”. وسّعت السياسات الأمريكية من مساحة تدخلها بشؤون الصين، فحركت اتباعها في هونغ كونغ لأثارة احتجاجات على إثر قرار الصين بتسليم مطلوبين لها وفق القانون، مما جعلته أمريكا سبباً لدفع مجموعات تتبع إليها في تظاهرات احتجاجية، وتهدف من وراء ذلك محاولة تحريك الشارع والضغط على الحكومة الصينية للأخذ بمطالب واشنطن، على غرار ما فعلته إدارة ترامب مع المكسيك وكندا، ولحشر الصين في مربع للصراعات السياسية المهددة للمصالح الصينية داخل وخارج الصين. سياسة فرض “العقوبات” على الشركات الصينية الكبرى، خطوة في خضم تشديد الحصار على الاقتصاد الصيني، الذي يتطور بتسارع استناداً أولاً للسوق الصينية الداخلية الضخمة، وكنتيجة لرسم سياسات اقتصادية حكومية صينية صحيحة وداعمة لأي نشاط تجاري يقدم خدمة لنمو هذا الاقتصاد. وفي هذا المشهد، عمدت أمريكا إلى تصعيد أزمتها مع الصين بوضعها هذه الشركات العملاقة على لائحة الحظر.
وبينما سعت الصين من جانبها الى تلافي هذا الصراع من خلال التفاوض مع المحتجين في هونغ كونغ، وسحب القانون وتنفيذ مطالب المتظاهرين في خطوة منها لخفض التوتر والقضاء على الفوضى التي تهدد مصالح الصين ومسيرتها الاقتصادية وتفويت الفرصة على السياسة الأمريكية الساعية للنيل من الصين، ولتهدئة الأزمة من خلال إعلان العديد من المسؤولين استعدادهم للحوار، مقابل رفض الرئيس الأمريكي وإصراره على التصعيد، بغية المزيد من الضغط لتحقيق مكاسب اقتصادية أمريكية وفق معاهدة تضمن المصالح الأمريكية، ويتجلى ذلك واضحاً بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن رغبته بعقد صفقة مع الصين قبل قمة العشرين المعروفة ب”مجموعة العشرين”، التي تضم حالياً20 دولة، تمثل نحو 66% من سكان العالم، و75% من التجارة الدولية، و80% من الاستثمارات العالمية، و85% من إجمالي الناتج المحلي العالمي بحسب إحصائيات رسمية لخبراء الاقتصاد في العالم. وكلنا يتذكر، كيف بدأت أمريكا حربها التجارية على الصين من خلال قرار دونالد ترامب، في مايو2018، بفرض رسوم جمركية بقيمة 60 مليار دولار على الواردات الصينية، ثم رفعها الى نسبة 24% لتبلغ قيمتها 200 مليار دولار، بحجة التوازن والإصلاح في الميزان التجاري، مما دفع بالصين ومن خلال وزارة التجارة، لفرض زيادة كمركبة على البضائع الأمريكية الواردة للصين، بقيمة 60 مليار دولار، في خطوة منها للتعامل بالمثل مع السياسات الأمريكية، الهادفة لمحاربة التجارة الصينية التي أرعبت الإدارة الأمريكية.
ان المخاوف الأمريكية التي تُظهِرُهَا واشنطن نتيجة تطور التكنلوجيا الصينية في مجال الكمبيوتر، والهواتف الذكية، التي تعتبرها تهديداً لأمنها القومي، ناجم عن سياسة التوسّع والتفرّد الامريكية للسيطرة على العالم، من خلال استعمارها لعدد من الدول في منطقتنا وخارجها، والهيمنة بالتالي على اقتصادياتها خالاصة صادراتها النفطية التي تدعم السوق العالمية، مما يشكل تهديداً واضحاً على سياستها الاقتصادية وخوفاً من توسع الصين على حساب هذه الطموحات الاستعمارية, كون الصين تنتهج سياسة اقتصادية ناجحة في خلق سوق شرق اوسطي لمنتجاتها في شتى المجالات، وهذا مايجعل الصين المنافس القوي للمنتجات في الأسواق الشرق أوسطية لأمريكا وغيرها من الدول الصناعية.
وتبقى الصين في مقدمة الدول الصناعية الكبرى التي تساهم بدفع النمو الاقتصادي العالمي، لأنها وحسب محللين وخبراء هي الأعلى بين الدول الكبرى، وهذا ما أزعج الإدارة الأمريكية وبدت بالتالي تدفع باتجاه الحرب الاقتصادية في خطوة منها لأضعاف هذا النمو, بيد ان الصين قادرة على التصدي لهذا التحدي من خلال التطور الكبير الذي تشهده والسياسة المعتدلة التي تنهجها مع جميع الدول، حتى مع هونغ كونغ، فقد كان المفاوض الصيني موفّقاً في قراراته لاحتواء الأزمة والحد منها, وتقابل السياسة الأمريكية المخالفة لمبادئ التجارة الدولية بعقلانية أكثر من التهوّر، مما يفضي إلى أن تخرج الصين من هذه الأزمة بانتصار لصالح تجارتها وسياستها الاقتصادية .
*رئيس تحرير وكالة المدائن الإخبارية