محمد مسيليني*
بمجرد أن تطأ قدماك أرض جمهورية الصين الشعبية و تجول بنظرك في أرجاء المطار، و تمطي وسيلة نقل لتنقلك داخل إحدى المدن الصينية الجميلة و النظيفة، و يشدّك ترتيب الطرقات و البُنية التحتية، و جمال الخضرة على جنبات الطرق تتأكد أن الصين الشعبية قد حققت قفزة هائلة خلال الفترة الأخيرة، حيث تحوّلت من شعب يُعاني الفقر و الخصاصة قبل الثورة، و من دولة تصارع معضلات النمو قبل سياسة الإصلاح و الانفتاح و تطبيق الاشتراكية بخصائص صينية، إلى إحدى أعظم الدول في العالم و إلى أجمل المدن على الكرة الأرضية. مدن مثل شنغهاي و بيكين و غيرها يتباهى بجمالها زوارها قبل الصينيون الذين شيّدوها و أحسنوا إخراجها، فحوّلوها من مجرد مدن أسمنت مسلّح، إلى تحف مرسومة تشد الناظرين و يطيب فيها العيش.
غير ان الغوص في تاريخ الصين من خلال ما تستمع إليه من عروض حول تاريخ هذا البلد الذي جمع بين الاعتداءات و المذابح و الحروب، و بين البطولات و المقاومة و الصمود في وجه المعتدين، أو ما تؤدّيه من زيارات لمعالم تاريخية عظيمة، مثل سور الصين، يجعلك تتساءل على قدرة هذا الشعب على ربط ماضيه المجيد بمستقبله المشرق، رغم ما تعرض له وطنه و ما يتعرض له إلى الآن من اعتداءات و محاولات عرقلة.
لقد تعرّضت الصين منذ التاريخ القديم إلى اعتداءات عديدة و دفع شعبها ثمنها من أرواح أبنائه الكثير، و لعل أغلب الناس يتذكرون أهم الحروب التي عانت منها الصين، و هي حرب الأفيون الأولى و الثانية، و التي تمكّنت من خلالها بريطانيا من بسط نفودها على مناطق من أراضي الصين، أهمها منطقة هونغ كونغ، التي تقع على ساحل الصين الجنوبي، و التي تمكّنت المملكة المتحدة من بسط نفودها عليها خلال حرب الأفيون الأولى 1839-1842، و بقيت تحت سيطرتها إلى غاية 1997، حيث عادت ملكيتها لجمهورية الصين الشعبية. و إن كان عودة هونغ كونغ وماكاو و غيرها الى حضن الوطن أمراً طبيعياً، فان حكومة جمهورية الصين الشعبية سمحت بتطبيق نظامين مختلفين في البلاد، ضماناً للعيش المشترك بين مكونات جمهورية الصين الشعبية، التي تعد مليار و 400 مليون بشر حسب الإحصائيات الرسمية.
و أمام النهضة العمرانية و الصناعية و التكنولوجية و الاقتصادية الهائلة التي عرفتها و تعرفها جمهورية الصين الشعبية خلال الثلاثين سنة الأخيرة، و المكانة التي احتلتها في الاقتصاد و التجارة العالمية، عمدت قوى الاستعمار التقليدية و في مقدمتها أمريكا إلى محاولة عرقلة دور جمهورية الصين الشعبية على المستوى العالمي، و محاصرتها داخل حدودها، و خلق ما يمكن من الاضطرابات و حالات عدم الاستقرار داخلها. تحرّكت الآلة الدعائية الإعلامية ضد الصين الشعبية و ركّزت على موضوع الحريات و حقوق الانسان و حرية التعبير في الصين، و تحركت الآلة العسكرية بشكل استفزازي في بعض الأحيان، من خلال القرب من المجالات البحرية و الجوية الصينية، و عقدت إتفاقات إستفزازية ضد جمهورية الصين الشعبية، مثل “المساعدات العسكرية!” لتايوان، أو الاتفاقيات الخاصة معها، في الوقت الذي تسعى فيه جمهورية الصين الشعبية إلى وحدة التراب الصيني وعودتها إلى حضن الوطن الأُم. كل هذه السياسات و غيرها هي في الأساس محاولة لعرقلة جمهورية الصين الشعبية، و منعها من القفز من دولة نامية إلى قوة إقتصادية و سياسية فاعلة و مؤثرة في العالم.
و لعل آخر المحاولات الاستفزازية التي أقدمت عليها الدول الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، هي ما يجري في هونغ كونغ و الإصرار على بث الفوضى و خرق القانون، و خلق حالة من عدم الاستقرار، و تهديد حياة الناس من طرف مجموعات من المتظاهرين و الفوضويين المدفوعين و المسنودين من الخارج. لقد راهنت الإدارة الامريكية على رد سريع وقوي للحكومة الصينية ضد هذه التحركات، كي تجعل منه تعلة و فرصة للقيام بحملة واسعة ضدها و اتهامها بقمع الحريات و منع التظاهر السلمي، مما سيؤثر على مكانتها في العالم و خاصة العالم الغربي الذي يتأثر بسهولة بالدعايات الإعلامية الكاذبة و المشبوهة.
غير أن حكمة الحكومة الصينية و قناعتها بالمخطط و أغراضه جعلها تتعامل بحكمة كبيرة مع الأحداث، و تعمل على امتصاص الظاهرة تدريجياً، و تراهن على عامل الوقت لاقناع مواطنيها و حمايتهم مما يُخطّط في الغرف المغلقة في الغرب ضدهم و ضد مصلحة بلادهم. إننا لا شك في المنطقة العربية نسعى لمستقبل أفضل مع الشريك الصيني، و نتمنى أن تتطور الشراكة بين أقطارنا و جمهورية الصين الشعبية، في إطار مبادرة الحزام و الطريق، و أيضاً من خلال الاتفاقات الثنائية، كما أننا نريد لشركائنا الصينيين أن يطوّروا من فهمهم للواقع العربي و التحديات و المخاطر التي تحيط به، و لكننا في المقابل نقولها و بصوت عالي ان تهديد الصين و التدخل في أوضاعها الداخلية يُمثّل أكبر تهديدٍ للسلم و الأمن في العالم، و حُلم لن يتحقق بعودة التحكم في مصائر الشعوب و الأمم، و سنقف بقوة مع حكومة جمهورية الصين الشعبية لِما ستنفذه من سياسات ضد محاولات التخريب في هونغ كونغ و غيرها من مناطق و مقاطعات الصين الشعبية.
*#محمد_مسيليني: عضو المكتب السياسي – #حركة_الشعب (#تونس)، وصديق للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين.