لفت انتباهي تحقيق ميداني للقسم العربي لإذاعة الصين الدولية CRI بعنوان “الفتيات المسلمات الجميلات في جنوبي الصين”، كشف عن تحسّن مستوى معيشة النساء المسلمات بشكل ملحوظ، واقتحامهن العمل في العديد من المهن، ومن أهمها الانتاج والتجارة والتسويق.
وأعتقد بأن ولوج المرأة المسلمة في الصين إلى مجال التجارة والاستثمار بمفهومها الواسع، أسوة بالرجل، وجه من أوجه التطور الحضاري والانتقال إلى مجتمع الرفاه وانتشار الثقافة العالية، التي تعني ضرورة أن يكون جميع أبناء الوطن مُنتجين وفاعلين ومُفيدين لمجتمعهم ودولتهم ومستفيدين.
ومن هذا المنطلق ارتأيت التطرق في مقالي هذا بمناسبة شهر رمضان الكريم، إلى قصة نجاح إمرأة صينية مسلمة أثبتت نجاحها وقدرتها على التميّز.
البطلة هي السيدة “ليو يو هوا”، وهي تاجرة وصاحبة مصنع لإنتاج الحِجاب في مدينة سانيا الصينية بمقاطعة هاينان في جنوبي البلاد، حققت خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في الإنتاج لتصل الأرباح التجارية لمشروعها الى أكثرعشرة ملايين يوان صيني، ويَعود السبب في ذلك كما تقول للإذاعة الصينية، إلى التطوّر السريع لمصنعها وتماشياً مع “ارتفاع مستوى معيشة المسلمين”في منطقتها.
التاجرة “ليو” تستخدم التكنولوجيا في الاتصالات التجارية وترويج بضاعتها وإدارة مصنعها في الصين، بينما لم تكن هذه التقنيات متاحة في زمن سابق، ففي الثمانينات من القرن الماضي، تقول “ليو”، كان لون الحِجاب مقتصراً على اللونين الأحمر والأخضر، أما الآن فقد تنوّعت الألوان واختلفت الأشكال أيضاً، وانعكس ذلك على نوعية الحُجب وألوانها التي غدت بالعشرات، كما أصبح الحِجاب أجمل فأجمل، وأدى ذلك الى مضاعفة أعمالها التجارية عدة مرات وإزدهارها أكثر من أي وقت مضى، سوياً مع ازدهار منطقة هاينان.
وأصبح الحِجاب، حسب صاحبة المصنع، رمزاً لجمال المرأة المسلمة بمدينة سانيا، وعلامة تعكس الانتعاشة التي عرفتها، إذ كانت كل امرأة مسلمة هناك تملك في الماضي حِجاباً واحداً فقط، في حين أصبحت تمتلك كل إمرأة اليوم العشرات منها متعددة الالوان ومختلفة الأشكال والتصاميم.
وبالتوازي مع تطور شكل الحِجاب وألوانه وتساير جَماله مع العصر، تشهد مقاطعة “هاينان” تطوراً وانفتاحاً مستمراً حيث تعكف الحكومة الصينية على استكمال بنائها لجعلها على الدوام جزيرة سياحية عابرة ودولية متقدمة وعصرية، وتوفير إمكانات ووسائل الاتصال بالخارج لأهداف مهنية وسياحية وتجارية، ولإحداث المزيد من المشاريع لخلق فرص العمل للنساء والرجال على حد سواء.
لكن انتشار صُنع وبيع الحِجاب في هذه المنطقة وفي غيرها من المقاطعات والمدن الصينية الكثيرة، لا يعني أن جميع النساء الصينيات المسلمات مُحجبات، حيث ترتدي العديد منهن ملابس حديثة. فالصينية المسلمة تتمتع بحرية الاختيار في ارتداء الحِجاب من عدمه، حسب خياراتهن الاجتماعية والشخصية، تماماً كما هو أمرهن في غالبية البلدان العربية.
ويعود التغيير النوعي الإيجابي على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والطبقي لسكان المنطقة ومنهم المسلمون، الى ما حققته جهود السلط الصينية، من تسريع واضح في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مقاطعة هاينان، تجسيماً لسياسة الإصلاح والانفتاح التي شرعت الحكومات الصينية المتعاقبة الى تطبيقها منذ 1978.
وفي هذا الاطار تأسست مقاطعة هاينان، وأصبحت من أكبر المناطق الاقتصادية في الصين، وتحوّلت خلال 20 سنة مضت، من جزيرة بحرية مُغلقة أمام الخارج، إلى جبهة أمامية أثناء تنفيذ الصين لسياسة الانفتاح على العالم، وشهدت صناعة السياحة فيها تطوراً مُذهلاً شدّ دول العالم نحوها.
واعتماداً على السياسات الوطنية التفضيلية، شرع العديد من أبناء هاينان بممارسة الأعمال التجارية، ومنهم النساء المسلمات، وبذلك شهد مستواهم المعيشي ارتفاعاً متواصلاً واستقلالية في قراراتهن الاقتصادية والشخصية، وتفعيلاً لمكانتهن على صَعيد الحِراك الاجتماعي العام القومي والوطني، بل والعالمي أيضاً.
…
** سناء_كليش: مستشارة رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين والأعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، وكاتبة وصحفية تونسية.