جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
في العاشر من نوفمبر 1975، أقرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بتصويت 72 دولة بنعم، مقابل 35 بلا، وامتناع 32 عضواً عن التصويت، القرار رقم 3379 الذي وَصَمَ العقيدة الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وطالب «جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجيا الصهيونية التي تُمثّل خطراً على الأمن والسلم العالميين».
وبتاريخ 16 ديسمبر 1991، ألغت الأمم المتحدة هذا القرار بقرارٍ مضاد تحت رقم 86/46، صوّت لصالح إلغائه 111 دولة، بينما صوّت ضده 25 دولة، وامتنع عن التصويت 13 دولة، وتغيبت 15 دولة عن حضور جلسة التصويت، من بينها دول عربية.
في «الدستور» قبل أيام قليلة، طالعنا مبادرة متميزة لم يسبق لها مثيل، أطلقتها الكونفدرالية الفلسطينية في أميركا اللاتينية والكاريبي «كوبلاك»، طالبت فيها بإعادة تعريف «الصهيونية»، كشكل من أشكال العنصرية، واستصدار قرار جديد للجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن.
دعت «كوبلاك» في بيان صحفي، لبدء حملة تبنّي قرارٍ في الأمم المتحدة يُعري الصهيونية. ناشدت فيها «جميع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في القارة للمشاركة في هذه الحملة، بهدف توضيح طبيعة الأيديولوجيا الصهيونية وخطورتها وممارستها لأبشع أشكال القمع المخزية التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية».
مَن وقف إلى جانب إلغاء القرار الدولي ساهم بشكل مباشر في ترقيع صفحة صهيون، وأجرم بحق شعبه وبلده، ومَهّد لتحالف دولي واضح المَعالم، داعم للاستعمار العسكري والاقتصادي والفصل العرقي الصهيوني بحق مئات ملايين البشر في غالبية دول الأرض؛ من ضمنهم العرب كافة، الذين لازالوا يرزحون منذ قرون تحت وطأة الاحتلال، وإعلاميون قُتلوا بالجملة في هجمات وحشية صهيونية تشمل عشرات الشعوب والدول التواقة للتحرر من بني صهيون.
إلغاء القرار استهدف بالدرجة الأولى إفساح المجال للصهيونية لبسط سيطرتها على البقية الباقية من فلسطين وهو ما تم لها، وتزامن ذلك مع فتح أبواب العالم أمام النهم التوسعي الصهيوني، بخاصة دول شرق أوروبا التي انهارت مرة واحدة كجبل من رمل، بفِعل بيريسترويكا وغلاسنوست أزلام الصهيونية «غوربي» و «باروخ إلتسين».
لقد تابعنا كيف تعاظم توسّع الصهيونية في العالم بعد إلغاء القرار المذكور، تلاه تقرّب دول كبرى من أحفاد هرتزل بشكل يَنْدَى له الجبين. لم ولن ننسى الدور المُشين للصهاينة في الحرب الكونية الثانية حين تحالفوا مع النازي هتلر والفاشي موسوليني لاستعمار فلسطين والبلدان العربية، وشرق أوروبا، ودول أمريكا الجنوبية.
حينما ساهم الصهاينة في الترتيب لإرسال قواتهم الفيرماخت إلى فلسطين، أُنزلت على مدينة أريحا لاحتلالها وتصفية العرب الأردنيين والفلسطينيين جسدياً. ما يَجري بعد إلغاء القرار المذكور، هو إعادة الكرّة بهدف حذف اسم فلسطين من الخرائط (وهو أمرٌ لا يفوه به إلا فم القدرة الإلهية)، ولتصفية العرب وقضاياهم المشروعة.
الصهاينة ينتهكون كل اتفاق دولي ويقوّضون كل قضية أجنبية ودولية شرعية، مما يُشير إلى أنهم يُسارعون لاستكمال سيطرتهم على السياسة العالمية تمهيداً لإقامة «إسرائيل الكبرى»، وهم يعترفون علناً بأنها هدفهم المركزي والكوني، مايؤكد حقيقة إمبرياليتهم المُنفلتة والأخطر على مصائر البشرية جمعاء.
*#مروان_سوداح, كاتب وصحفي أردني, رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين.