ويعد تاريخ 15 نوفمبر 1988, الذي صادف اعلان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بقصر الأمم بالجزائر العاصمة عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف بمناسبة انعقاد المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية, بمثابة نقلة نوعية لمسار كفاح ونضال الشعب الفلسطيني ومرحلة جديدة لتثبيت حقه في نيل الحرية و الاستقلال وإقامة الدولة المستقلة.
وجاء في الخطاب التاريخي للرئيس الفلسطيني الراحل الذي عرف ب “وثيقة الاستقلال” , أن “المجلس الوطني يعلن, باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني, قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية, وعاصمتها القدس الشريف” وذلك استنادا إلى “الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعا عن حرية وطنه واستقلاله”.
ودعت الوثيقة التي تلاها عرفات إلى ضرورة مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال و ترسيخ السيادة و الاستقلال. كما طالبت بضرورة حشد الطاقات العربية و تكثيف الجهود من أجل إنهاء الاحتلال.
ويرى المراقبون أن إعلان “وثيقة الاستقلال” أكسب القضية الفلسطينية بعدا سياسيا و دوليا مهما, حيث أسس لمرحلة الاعتراف الدولي بالحق الفلسطيني ودفع ب80 دولة إلى إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية, ليرتفع هذا الرقم مع مرور السنوات, سيما منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصهيوني في قطاع غزة منذ 14 شهرا, إلى 143 دولة, العام الجاري 2024.
وإذا كان إعلان قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر قد بعث الأمل لدى الفلسطينيين في قرب تحقيق حلمهم المنشود في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967 والتي تقرها قرارات الشرعية الدولية, فإن هذا الحلم لا يزال يصطدم, بعد مرور 36 عاما على صدور “وثيقة الاستقلال”, بتعنت الكيان الصهيوني الذي يواصل احتلاله ل 85 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية, حسب تقارير فلسطينية, و يصر على رفض إقامة الدولة الفلسطينية ورفض حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي بأسره.
وأكثر من ذلك, تحل الذكرى هذا العام في الوقت الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني, منذ أكتوبر 2023, حرب الإبادة الوحشية التي يقترفها الكيان المحتل ضد المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية, و أعمال الاستيطان التي تقضم مزيدا من أرضي الدولة المنشودة, وهو المخطط الهادف إلى تدمير وإزاحة المجتمع الفلسطيني بمؤسساته القائمة ونسيجه الجامع والقضاء على إمكانية استعادته في المستقبل وقتل الأمل الفلسطيني في إقامة الدولة المستقلة ذات سيادة و مترابطة الأوصال.
ولم يثن ارتفاع عدد ضحايا حرب الإبادة الجماعية و التصفية العرقية التي يتعرض لها أهالي غزة و الضفة الغربية (أزيد من 43 ألف شهيد و أكثر من 103 آلاف جريح) فضلا عن تدمير شبه كلي للبنى التحتية في المنطقتين, الشعب الفلسطيني عن التشبث بأرضه ورفض التهجير القسري والتمسك بالصمود في وجه آلة البطش الصهيونية المتواصلة, وسط عجز المجتمع الدولي عن ردع المحتل و اخضاعه للمحاسبة و المعاقبة.
=دعم جزائري ثابت و متواصل لتمكين الفلسطينيين من دولتهم المستقلة=
و منذ إعلان قيام دولة فلسطين على أرضها وعملا بالمبادئ الثابتة لسياستها الخارجية القائمة على دعم قضايا التحرر و الدفاع عن حق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها, تواصل الجزائر دعمها للقضية الفلسطينية العادلة و تخوض معركة دبلوماسية في مختلف المنابر والمحافل الدولية من أجل تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة وصولا إلى انهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة. كما ترمي الجزائر بكل ثقلها من أجل حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق, أعاد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج, السيد أحمد عطاف, مؤخرا التذكير ب “التعليمات الصارمة” التي أصدرها رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, بأن “تجعل الجزائر من نصرة القضية الفلسطينية ومن التصدي للجرائم الصهيونية في المنطقة شغلها الشاغل وأولوية أولوياتها ومبلغ جميع تحركاتها, منذ بداية عهدتها بمجلس الأمن الدولي مطلع العام الجاري”.
وعليه, تقدمت الجزائر بالعديد من مشاريع القرارات لمجلس الأمن باعتبارها عضوا غير دائم تمثل المجموعة العربية, سعيا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار والمجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين.
وقد توجت تلك الجهود بنجاح الجزائر على رأس كتلة الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن, في مارس الماضي, في استصدار القرار رقم 2728 الذي يطالب “بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة خلال شهر رمضان, مع ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سكانه وإطلاق سراح الرهائن و المحتجزين” و ذلك للمرة الأولى منذ بدء حرب الإبادة على غزة, وعقب 4 محاولات سابقة مماثلة أحبطت بفيتو أميركي.
وعلى الرغم من رفض الكيان الصهيوني تطبيق قرار وقف إطلاق النار, فإن الجزائر ستبقى – يقول السيد عطاف- “تطالب بعقد الاجتماع تلو الاجتماع واتخاذ المبادرة تلو المبادرة وطرح الفكرة تلو الفكرة, لأنه لا مناص من اضطلاع مجلس الأمن, وكذا الجمعية العامة, بالمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه كافة دول وشعوب المنطقة التي تطالها يد العدوان الصهيوني”.
وفضلا عن مسعى تحقيق وقف الإبادة في غزة وتجريم المحتل ومعاقبته الذي تسعى الجزائر جاهدة إلى تحقيقه, تواصل من جهة أخرى المطالبة بضرورة تمكين دولة فلسطين من حقها في العضوية الكاملة بالأمم المتحدة.
وفي هذا السياق, أكد رئيس الجمهورية, الاثنين الماضي بمناسبة انعقاد القمة العربية-الإسلامية بالرياض, مجددا التزام الجزائر بالاستجابة إلى الطلب الموجه لها من قبل هذه القمة لإعادة طرح موضوع العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمة الأمم المتحدة.
وقال رئيس الجمهورية, في رسالة تلاها نيابة عنه السيد عطاف, أن الجزائر ومنذ انضمامها إلى مجلس الأمن “عملت على إبقاء الضوء مسلطا على الدوام على القضية الفلسطينية بصفة خاصة, وعلى تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة”, لافتا إلى أنه “بذات القدر من الالتزام, ستستجيب الجزائر للطلب الموجه لها من قبل قمتنا هذه لإعادة طرح موضوع العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمة الأمم المتحدة”.