علق موقع صحيفة ((ذا هيل)) الأمريكي على أحدث نتائج الاستطلاع في يوم الـ22 من أغسطس قائلا إن القضية الأولى في أذهان الناخبين الأمريكيين هي تهديد الديمقراطية. ففي هذا الاستطلاع، أدرج 21% من الناخبين “تهديدات للديمقراطية” على أنها أهم قضية تواجهها الولايات المتحدة. مثل هذا التغيير في رأي الناخبين قبل أقل من 100 يوم من الانتخابات النصفية، يسلط الضوء على تشاؤم وقلق الشارع الأمريكي بشأن آفاق الديمقراطية على النمط الأمريكي.
في داخل الولايات المتحدة، أصبحت الديمقراطية على النمط الأمريكي كلام مفرغ بلا محتوى، يرتبط مثل هذا التغيير في رأي الناخبين ارتباطًا وثيقًا بمداهمة مكتب التحقيقات الفدرالي منزل الرئيس السابق دونالد ترامب في منتجع “مار إيه لاغو” بفلوريدا. وأثارت المداهمة التي وقعت قبل أسبوعين جدالات جديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين. ولكن على مستوى أعمق، زادت تلك المداهمة من مزق الصدع بين الاستقطاب السياسي الأمريكي والعداء الاجتماعي، وجعلت الشارع الأمريكي أكثر اشمئزازًا من السياسة الأمريكية وأكثر شعور بالسلبية تجاه الديمقراطية على النمط الأمريكي.
في الواقع، قبل نشر نتائج هذا الاستطلاع، دقت العديد من استطلاعات الرأي خلال الأشهر الأخيرة ناقوس الخطر بشأن “الديمقراطية الأمريكية”، حيث أظهرت نتائج استطلاع مشترك نشرته صحيفة ((نيويورك تايمز)) وجامعة سيينا في يوليو الماضي أن 53% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الحكومة الأمريكية منقسمة للغاية في حل مشاكل البلاد؛ وأظهر استطلاع آخر في يونيو أجرته موقع “ياهو نيوز” ووكالة الاستطلاع الأمريكية “يوجوف” (YouGov) أن 55% من الديمقراطيين و53% من الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة “ربما” لم تعد تكون يومًا ما دولة ديمقراطية. بعد أن شهد الشعب الأمريكي سلسلة من أحداث الفوضى السياسية المناهضة للديمقراطية والتلاعب السياسي، مثل أعمال الشغب في الكابيتول هيل، وصعوبة تشريعات مراقبة الأسلحة، وعدم القدرة على حماية الحقوق الأساسية بشكل فعال مثل حقوق الإجهاض وحقوق التصويت، وأن مرآة الديمقراطية الأمريكية قد كسرت منذ فترة طويلة.
على الصعيد الدولي، قامت الولايات المتحدة بتسييس وتسليح “الديمقراطية”. فقد روجت الولايات المتحدة ذات مرة لسياسات جديدة من عقيدة مونرو في أمريكا اللاتينية، وحرضت على “الثورات الملونة” في أوروبا وآسيا و”الربيع العربي” في غرب آسيا وشمال أفريقيا، كما حرضت على المواجهة الانفصالية وجرّت العديد من البلدان إلى الحرب. تحت شعار “الدفاع عن الديمقراطية”، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أحادية و”ولاية قضائية طويلة المدى” على بعض الدول وتدخلت بشكل تعسفي في الشؤون الداخلية لدول أخرى، في الواقع، فكل ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة هو لحماية هيمنتها ومصالحها الجيوسياسية. تحدد الولايات المتحدة “معايير الديمقراطية” وفقًا لنموذجها الخاص، ولا تسمح بوجود أنظمة ونماذج أخرى، وتتدخل بشكل تعسفي في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول رافعة راية “الديمقراطية”. وهذا أبعد ما يكون عن المعنى الحقيقي للديمقراطية، بل أنه كارثة للديمقراطية.