خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
*بقلم: البروفيسور وو فو قوي / عبد الكريم
أريد أن أستهلّ كلمتي بتكريم ذكرى الدكتور فاروق أيوب خوري، الذي وافته المنية فجأة، ولأجل ان تكون كلماتي هذه علامة وفاء تاريخية بحقه في الصين، وفي سماء العالم العربي.
جاء في بيان نعيه التالي: يَنعى آل خوري وآل مشربش وأنسباؤهم وأقاربهم في الأردن والمهاجر بمزيد من الحزن والأسى، فقيدهم الغالي المرحوم المهندس فاروق ايوب اسكندر خوري، “أبو أيوب “، زوج الفاضلة سوزان شحادة زيدان مشربش؛ ووالد كل من أيوب، نواره زوجة مهران حجازين، ودينا، وشقيق كل من إبراهيم، دينا، والمرحومين اسكندر والمهندس رجا وناديا، إلى الأمجاد السماوية، يوم الاثنين الموافق 17/8/2020 عن عمر يناهز 62 عاماً، متمماً واجباته الدينية والدنيوية.
كان فاروق أيوب خوري، كاتباً معطاءً، وصديقاً قديماً للصين والقسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، كما كان ناشطاً في الفرع الأردني لِ “الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين” ومنتديات القسم العربي للاذاعة الصينية، ومراسل لها، ومجلة “مرافىء الصداقة”، التي نَشرها القسم العربي لإذاعة الصين الدولية.
كان فاروق أيوب خوري شخصية أكاديمية ومهنية بارزة، ومواطن أردني عربي ودود، وصديق قديم حميم لشعب الصين وجمهورية الصين الشعبية.
وكان رحمه الله، إنسانا موهوباً وخادماً متفانياً للناس، وحريصاً من خلال عمله على صحتهم والصحة العالمية، وقد ساعد الكثيرين حول العالم على التألق.
وكان أيضاً صديقاً عزيزاً عليّ ومرشداً لي، وقد تعلمت منه وشاركته ابتساماته في هذه الحياة الصعبة.
سنفتقده كثيراً.
إن قلبي يدمع لفقدانه، وأنا أتضامن مع أسرته وأقف إلى جانب أحبائه في هذه اللحظات الحزينة لي وللصين.
اشتهر الكاتب والمهندس الأردني فاروق أيوب خوري بأنه “عملاق الكتابة العربية عن الصين” في الأردن و في كل العالم العربي، وتحظي مقالاته باهتمام مجموعة واسعة من القراء في الصين. خلال فترة عملي في عمّان، كنت أسمع دائما الأصدقاء المحليين يمتدحونه بأنه “دمث الخُلق ولطيف القلم”. كان مُحباً لوطنه وشعبه. ولكنه صريح في مفرداته وأفكاره وحِيال مجتمعه. كان شغوفاً بالكتابة، ويكتب بلا توقف، فحجم أعماله الكثيرة يضارع طول قامته.
نبعت مشاعر فاروق الودية تجاه الصين منذ صباه تقديراً من للحضارة الصينية. الحضارتان العريقتان الصينية والأردنية العربية كانتا موضوعاً نتحدث عنه دائماً. قال فاروق، إنه من بين الأربع حضارات العريقة في العالم، الحضارة الصينية هي الحضارة الوحيدة التي استمرت بلا انقطاع عدة آلاف من السنين، فقد قدّمت مساهمات عظيمة للحضارة العالمية.
أحب فاروق الثقافة الصينية حباً جمّاً. كان يتنهد و يقول، إن موقع الأردن جغرافي متميز، تعرض للغزو والاحتلال مرة بعد مرة في مختلف المراحل التاريخية. و حاول الأعداء تخريب ثقافته وقطع وصالها التاريخي، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. الثقافة هي روح الدولة، والمحافظة على الثقافة التقليدية للدولة مهمة للغاية. في كل حديث، كان يَجمع بيننا التفاهم في الآراء والعواطف الإنسانية، وكنت أستذكر المَثل الصيني القائل: على الإنسان أن يعرف كيف يتمتع ليس فقط بالجَمال الذي يخلقه بنفسه، وإنما أيضا بالجَمال الذي يُبدعه الآخرون لأجل الجمع بين الجَمال الذاتي وجَمَال الآخرين”.
قال فاروق ذات مرّة: كانت الصين وما تزال مشروع حياتي عبر السنين منذ نعومة أظفاري، إذ أنه ابتداءً بدراسته المدرسية في الصفوف الابتدائية، حيث زامل فيها صديقه مروان سوداح، في (الكلية البطريركية الوطنية)؛ ثم خلال دراسته الجامعية في الهند (بوبال / القديمة، وهي عاصمة ولاية ماديا براديش)؛ تعلّم الحِكمة التي تقول “اطلبوا العِلم ولو في الصين”، لذلك سعى المرحوم فاروق لتحقيق أهدافه بالإحاطة بثقافة الصين وحضارتها وحكمتها؛ وفي التخصص في الدراسات الصينية؛ وفي الاستفادة من ذلك كله في تعزيز العلاقات الأردنية – الصينية خصوصاً، والعلاقات العربية – الصينية عموماً، وهذه الأهداف محط اهتمام كل شخص يرنو إلى الإبداع قلمياً، وخدمة وطنه، وفي مَثلِ فاروق، خدمة الأردن وهويته وثقافته وحضارته كان الأهم والأولوية.
نشر فاروق ذات مرة التالي من الكلمات المُعبِّرة على موقعه “فيسبوك”، وأعيد نشر ذلك في الصين، كالعديد من انتاجات قلمه المُبدع: لم “أتصوّر” يوماً منذ سنوات الطفولة، التي قضيتها مع زميلي الأخ مروان سوداح في المدرسة، وفي جيرة طيبة في منطقة سكنية واحدة، أنني سوف أرافقه بدعوة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية، التي كان يتحدث لنا عنها في المدرسة، ومنذ الصف الرابع الإبتدائي!
يقول فاروق: منذ ذلك الوقت كان الزميل سوداح جادّاً في كل أقواله ودعواته للصداقة والتحالف مع الصين وروسيا، برغم صِغر سنّه، وبرغم كونه تلميذاً في المدرسة التي كان إسمها وما يزال “الكلية البطريركية الوطنية”، بموقعها في منطقة “المصدار” القديمة والتاريخية التي شهدت ولادة الثقافة والحضارة العربية القديمة، وتعمير القِلاع والحصون والبيوت و”الخانات”، وإقامة أكثر من “سبيل” واحد “للحوريات” للمسافرين ولطريق الحرير الصيني القديم، من خلال وسط مدينة عمّون القديمة عاصمة المملكة الشهيرة آنذاك، ثم انتقلت مدرستنا إلى “جبل الأشرفية” الشهير.
فمدرستنا تُعتبر حتى اللحظة واحدة من أقدم مدارس الأردن، إن لم يكن أقدمها على الإطلاق، فلها قصة طويلة، ومن صفوفها ومن على يد أساتذتها الكِبار والشهيرين في العلوم واللغات والتربية والتعليم، تخرّج عدد كبير من الطلبة، الذين صاروا الأشهر في الوطن الصغير الأردن، وفي الوطن الكبير العالم العربي بل وعلى صعيد دولي أيضاً، عِلماً وعَملاً وسِعة أُفق وخدمةً لمجتمعهم والانسانية، ومنهم أذكر المرحوم: العلامة اللغوي زواد السمردلي (الذي ابنه فادي عضو في اتحادنا الدولي)؛ والعلاّمة المرحوم رُوكس بن زائد العزيزي، والمرحوم إبراهيم حدّاد، وفخري قعوار، وواصف حدادين، و“ألفرد أبو منّه” وعبد الله خليل، وجريس أسطفان، وعصام الموسى، ويوسف ضبيط، ومصطفى المصري، والأب لبيب دعيبس، والبطريرك البارز ميشيل الصبّاح، وعيسى وفؤاد عريضة “أبو عصام”، وعبد الله حسونة، وسامي عوض الله، إلياس رزق الله، وعيسى بطارسة والمرحوم حيدر هلسه، ومحمد وهبة، ويوسف ميمون، وأنور الربضي، كثيرون أخرين..
عندما زفّ الزميل مروان إلي نبأ سفري إلى الصين، بدعوة رسمية كريمة من جانب قيادة الحزب الشيوعي الصيني، الذي يرتبط به سوداح بعرى وثيقة من الصداقة العقائدية والشخصية، اعترافاً بكل ما قدّمت أنا للصين من خدمات استهدفت الأوساط المحلية والأجنبية التي عشت في إطارها وعملت معها في حياتي، لم أُصدّق أُذناي.. فهل كان من المعقول والمنطقي أن أتلقّى دعوة مشكورة رفيعة المستوى كهذه بعد نصف قرن بأكمله طوته أحداث جسام بسرعة، وأصبحت أنا فيه متقدماً في عمري و“جَمَل مَحامِل” لأنواء هذا الدهر القاسي وسياساته المُرهقة التي لا تعرف رحمة ولا شفقة بمن يُصادق الصين وروسيا، ناهيك عن صداقة تمتد لعشرات السنين، دون أن يَدري بي صديق أو حَليف دولي لم يتابع حُلفاءه في العَالم أمثالنا في الأردن!
درس فاروق في الهند، فلم تكن أيامها من منحٍ دراسية صينية للأردنيين، ولم تكن من بناية لسفارة صينية في الأردن، فقد كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بدايتها، إذ لم يكن قد مر على الاعتراف الدبلوماسي المتبادل بين الدولتين؛ الصين والأردن؛ سوى ثلاثة شهور، تقريباً.
خارج الأردن، تعلّم المرحوم فاروق الكثير في سياق قراءاته عن الحضارات الأجنبية، وهناك خلال دراسته الأكاديمية واصل التزاماته بالاطلاع على الصين في كل المجالات، برغم الصعوبات المختلفة، وقد زاد حبّه للصين ومِثالها، وكانت له علاقات ما مع سفارتها هناك برغم المُعوقات الأمنية التي أحاطت به آنذاك، وبالتالي رفد ثقافته وعِلمه الصيني بالجديد، فتعمّق تخصصه في دراسة الصين، حضارةً، و تاريخاً، بالإضافة إلى عوامل تقدمها، وكلما قطع شوطاً نحو الهدف المنشود، كان يُحقق مزيداً من الأهداف والانجازات.
وعن المُعوقات التي صادفها المرحوم فاروق خوري في الهند، قال: لقد استمر نشاطي نحو الصين حتى خلال وجودي الدراسي في الهند – برغم الخلافات الهندية الصينية في ذلك الوقت – رغبة مني بتواصل الحصول على جرعات ثقافية صينية جاذبة، ولعدم رغبتي في الابتعاد عن موروث غني حصلت عليه بالأردن، من خلال التواصل الذهني والفكري مع الصين، وقد كاد هذا الأمر يكلفني غالياً، إلا أن الهند انضمت قبل فترة إلى دول تحالف (بريكس)، وتنسق مع الصين وروسيه وغيرهما، لحماية مصالحها الدولية ضمن الأسرة الإنسانية، وفي خضم عَالم لا يرحم المتراجعين، فالتواصل والتعاون الثنائي والجماعي أصبح شعار اليوم والغد، وبدونه لا وجود لعالم المستقبل السلمي ضمن المنفعة والربح والتفاهم بين جميع البلدان والأمم ولصالحها.
من المعروف أن الأستاذ فاروق أيوب خوري لم يكن رجلاً سياسياً في الأردن، غير أنه نظر للعِلم والمعارف التي كان ينهل منها نظرة تقديس، فقد أثاره الواقع الصيني من خلال زخم المعلومات التي اطّلع عليها من خلال القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، ومجلة “الصين اليوم” التي تواصل صدروها إلى الآن، ومجلة “الصين المصورة” – التي توقفت عن الصدور منذ عدة سنوات.
أثار الواقع الصيني اهتمامه الكبير، وقد قوبل اهتمامه بتفهّم الصين وقومياتها المختلفة له. لم يكن المرحوم فاروق حزبياً، فقد كان مديراً كبيراً وموجّهاً في أحدى الوزارات الأردنية، فاستفاد من مكانته هذه ليُشارك في شؤون الدولة مُمَثلاً للثقافيين الأردنية العربية والصينية، وفي الوقت نفسه بقي على ما كان عليه من النزاهة و الاستقامة التاريخية، دون أن يستغل مكانته لاقتناص أية فرصة لتحقيق مصلحة خاصة، فكان مِثالاً يُحتذى للجميع.
و نظراً لِما قدّمه الأستاذ فاروق أيوب خوري من إسهامات كثيرة ومتعددة، فقد انضم لركب الأساتذة المعروفين من مجالات الثقافة العربية – الصينية، وأصبح علامة في الأردن لا يجود بمثله الدهر في الزمن الحديث، إذ يَعرف الصينيون مدى محبته لهم وللعلاقات الصينية الأردنية والعربية.
لقد عمل الأستاذ الموحوم فاروق أيوب خوري في حقله المَعرفي والصداقة مع الصين عشرات السنين، ولم يكن مجرد اسم رائد في الأردن، بل وفي الصين أيضاً، فقد قدّم خدمات جليلة للصداقة الأردنية والعربية – الصينية، وسبقى اسمه عَلماً يرفرف عالياً في تاريخ الأردن والصين.
إلى الخلود صديقي استاذ فاروق العزيز رحمك الله.. انتم السباقون ونحن اللاحقون.. نم هنيئا وقم نشيطا في الاعالي لنلحق بك ونكون سويا ابدا..
لله ما أعطى ولله ما أخذ، الدكتور الخوري لا يزال موجود بيننا و اعماله تشهد له لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. – رواه مسلم – اللهم ارحمه واغفر له واسكنه فسيح جناته.