بقلم سامي أبو عاصي،
عضو لجنة الرقابة والتفتيش الحزبي – عضو مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي السوري الموحد
على مشارف الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني تثار مجموعة من الأسئلة المتقاطعة حول بنية هذا الحزب التي مكنته من أن يستمر على مدار العقود العشرة الماضية في خط متصاعد، ونحو هدف محدد.
قد تحتاج دراسة هذه التجربة، إلى الكثير من التفكير والبحث والدراسات في مجموعة العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت في تعزيز مواصلة الحزب لمسيرته. ولكن يمكن هنا أن نُقدم مجموعة من الرؤى التي يمكن التوسع لاحقاً في إلاضاءة على جوانبها.
يمكن البدء بالقول إنه لا يمكن لحزب أن يستمرطوال هذه المدة لولا مقدرته على التكيف مع مجرى التاريخ وتطوره. فمن المستحيل لأي حركة سياسية أن تستمر في حال مجابهتها لقوى التطور ومعطيات العصر المتسارعة . هذه القدرة على التأقلم وفي أحيان كثيرة الى التجدد كانت إحدى العوامل الرئيسية التي حافظت على ديمومة الحزب. فلطالما لفظت الحياة الكثير من الحركات السياسية وذلك لإنتفاء الحاجة لوجودها، ومن هنا فإن قدرة الحزب على طرح رؤى تتوافق مع حاجات الواقع وتعمل على ملاقاتها وتنفيذها عززت من إلتحامه بإطار الواقع فعمد على دراست متطلبتاته ومن ثما صاغ الطرق الكفيلية بتحقيقها مُراعياً مستوى تطورالقوى المنتجة والسبل لتسريع وتيرة إمتلاكها للتقنيات الحديثة، التي أنعكست في المحصلة على إنتاجيتها.
يسترشد الحزب الشيوعي الصيني بالماركسية، وهو بالتالي يختلف كثيراً عن العديد من الأحزاب الأخرى التي طبقت- تُطبق الماركسية كنص جامد غير خاضع للإختبار أو القياس. هذا الفهم لروح الماركسية مكّن الحزب الشيوعي الصيني لأن يكون خلاق في تجديده لنصوص الماركسية إنطلاقاً من قراءته لواقع البلاد وتاريخها وللعوامل المجتمعية التي شكلت بمجملها كيان الدولة الصينية. الماركسية ذات الخصائص الصينية باتت اليوم السمة الرئيسية لنمط اقتصادي وسياسي واجتماعي جديد يتلاءم مع بيئة وظروف دولة أسيوية كان يحكمها نمط إنتاج بدائي وباتت اليوم مركزاً للتقدم التكنولوجي ومحركاً لعصب الاقتصاد العالمي
لقد إستطاع الحزب أن يمزج بين شيئين، كانت الكثير من الأحزاب الشيوعية التي حكمت سابقا قد فشلت في التوفيق بين متضاداته. فللحزب في قيادته للدولة مسار في علاقاته كحزب (منفصل عن كونه حزب حاكم) مع التنظيمات السياسية الأخرى. حيثُ إن الحزب بقيادته للدولة مُنفتح على كل القوى السياسية في العالم التي تتقاطع مصالحها مع خدمة أهداف التنمية في البلاد. ومن جانب أخر فإن للحزب مساره السياسي وموقعه الإيدلوجي الذي يضعه في جانب قوى اليسار. لم يفرض الحزب على الدولة الصينية الإنعزال والوقوف الى جانب طرف من طرفي المعادلة الثنائية الدائمة التكّون في مسار التاريخ. لقد أدرك الحزب إن الإنفتاح على جميع القوى الفاعلة في المجتمع الدولي في سبيل تنمية البلاد أمر لا بد منه وبشكل لا يتناقض مع مبادئه التي إرتكز عليها منذ إنطلاقته.
إن التنوع الكبير الذي يتميز به المجتمع الصيني إنعكس على التنوع الداخلي في الحزب وبالتالي على الهيكلية التنظيمة للحزب التي أنبثقت منها رؤى وبرامج أخذت بعين الاعتبار مصلحة كل هذه المكونات وحقوقها . لقد حاول الحزب أن ينفتح على كل هذه المكونات ليس في سبيل محو هويتها وإنما للإستفادة من غِناها وتنوعها، فتمتعت هذه المكونات وخاصة الصغيرة منها بحقوقها الثقافية التي تركزت في الحفاظ على طقوسها وعاداتها .
مما لاشك فيه فإن السؤال المُلح اليوم هو: وماذا بعد؟ لقد إنقضت المئوية الأولى من عمر الحزب فهل هو قادر على الاستمرار ؟ وحتماً فان الجواب على هذا السؤال لن يكون بالسهولة أو منطلقاً من رغبة عاطفية . الجواب عليه يحتاج الى الكثير من الجهد والبحث في كيفية مواجهة التحديات التي تواجه الحزب سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي. ولكن يمكن القول إن التجربة الضخمة التي مّر بها الحزب على مدار العقود الماضية تشكل اليوم بنك معلومات يستنتج الحزب منها إخفاقاته ونجاحاته، وبناء على هذه الإستخلاصات يعدّ الحزب عدّته للمستقبل في سبيل توطيد الأمن والأمان داخل البلاد،وتعزيز بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.
ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس بالضرورة رأي قناة CGTN العربية.
CGTNArabic#