بقلم: لي تشنغون سفير شؤون منتدى التعاون الصيني العربي بوزارة الخارجية الصينية
يتعلق الأمن في الشرق الأوسط بمصالح جميع الأطراف، وقد أثار التقلص الاستراتيجي للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة مزيدا من الاهتمام. إن المخرج لتحقيق الأمن في الشرق الأوسط يكمن في تحقيق الأمن السائد.
1. تعد منطقة الشرق الأوسط من أشد مناطق العالم التي تتعرض للعجز الأمني. يعتبر التدخل الخارجي أهم عامل في فوضى الشرق الأوسط فضلا عن العوامل الداخلية. يتجلى ذلك في الجوانب التالية:
أولا، تم زراعة جذور الفتنة منذ التاريخ الطويل. من “اتفاقية سايكس بيكو” و “إعلان بلفور” قبل مائة عام، إلى غزو العراق وإسقاط الحكومة الليبية، حتى خطة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط الكبير، لم يتوقف تدخل القوى الغربية في الشرق الأوسط بعد، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم وتعقيد القضايا الأمنية.
ثانيا، اللجوء إلى الحلول العسكرية المفرطة والسعي إلى الهيمنة. من أجل التنافس على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، تقوم الدول الغربية بالسيطرة على دول الشرق الأوسط من خلال تقسيمها وبالتدخل العسكري والعقوبات وحتى الإسقاط، تستغل كل السبل المتاحة، وظلت تثير الفتن.
ثالثا، الدوس على العدالة والإنصاف، مما أدى إلى استمرار القضية الفلسطينية دون حل على المدى الطويل.
رابعا، تعتبر نفسها كصاحب السياسة الصحيحة والحضارة المتقدمة وتروج النظام السياسي الغربي والأيديولوجية الغربية، وتضعف الحضارات المتنوعة في المنطقة، مما خلق التناقض والإكراه.
في الفترة الأخيرة، في ظل تقلص الولايات المتحدة من المنطقة، قالت بعض وسائل الإعلام في دول الشرق الأوسط تعليقا على ذلك إن “دائرة واشنطن أشارت مرارا وتكرارا إلى أن الشرق الأوسط لم تعد لقمة سائغة على مائدة السياسة الأمريكية”؛ إن “جوهر الأمر ليس سحب جيوش الولايات المتحدة من الدول المحتلة بل فشل نموذج الديمقراطية الليبرالية الأمريكي نفسه؛ “لا أحد يطلب من الولايات المتحدة احتلال أفغانستان أو البقاء فيها لفترة طويلة، لكن لا يمكنها أن تلقي هذه الدولة في هاوية التخلف والجهل والفشل بمثل هذا القرار المستعجل”.
يتبين من ذلك أن اهتمام وقلق دول المنطقة بشأن التقلص الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يرجع إلى فقدان حماية الحليف الموثوقة والنظام المستقر، ولكنه يرجع إلى القلق من الوضع الأمني في الشرق الأوسط الذي كان أثارت القوى الغربية اضطرابات فيه يزداد سوءا وعدم الرضا من القوى الخارجية التي تتدخل في الشرق الأوسط وتبني سياسات غير مسؤولة. في العراق، استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية لإسقاط نظام صدام حسين، وجاءت بوحشية وغادرت بشكل عشوائي، تاركة وراءها العراق غير الآمنة. فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، ترددت السياسة الأمريكية بسبب تغير الحكومة، مما تعقد القضية.
2. هناك حاجة ماسة لتكريس مفهوم أمني جديد في حل القضايا الأمنية في الشرق الأوسط.
من أجل تحقيق الأمن والاستقرار على المدى الطويل في الشرق الأوسط، تحتاج جميع الأطراف بشكل ملح إلى تكريس مفهوم أمني جديد وتشكيل الفهم المشترك الأساسي. يجب أن يتضمن هذا المفهوم الجوانب التالية:
أولا، إن أمن الشرق الأوسط لصالح مَن؟ ويعتمد على مَن؟ ومَن يتحمل المسؤولية عنه؟ إن الشرق الأوسط هي لشعوب الشرق الأوسط، إن أمن الشرق الأوسط يجب أن يكون في أيدي دول المنطقة نفسها. يجب أن يقوم الأمن في الشرق الأوسط على أساس خدمة شعوب المنطقة كنقطة الانطلاق والغاية النهائية، بدلا من التركيز على مصالح القوى الكبرى خارج المنطقة. يجب توضيح هيكل الحوكمة الأمنية في الشرق الأوسط الذي يرتكز على دول المنطقة باعتبارها الدعامة الأساسية ويتعاون مع الأطراف الدولية ذات الصلة.
ثانيا، كيف إدارة أمن الشرق الأوسط. يجب الالتزام بمبادئ العدل والإنصاف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتعزيز تحقيق السلام على أساس العدل والإنصاف، لأن الأمن يبنى على أساس السلام. ويجب بناء الثقة المتبادلة تدريجيا من خلال الحوار والتشاور لتحقيق ترتيب أمني عادل وشامل ودائم على أساس الاحترام المتبادل، ويجب أن تلعب الأمم المتحدة دور الوساطة كقناة رئيسية، ويجب على الأطراف الدولية دعم الجهود السلمية على أساس الاحترام الكامل لمصالح وتطلعات دول المنطقة، بما يقدم مساهمات إيجابية لتحقيق الأمن.
ثالثا، تأكيد أهمية الأمن السائد بشكل خاص. الأول هو احترام وضمان السلام لكل دولة في المنطقة، بدلا من مجرد ضمان السلام لدولة معينة دون حفظ السلم للدول الأخرى، ولكل دولة حق في المشاركة في الشؤون الأمنية ولديها كذلك الالتزامات والمسؤولية للحفاظ على أمن المنطقة؛ والثاني هو حل المشاكل من مظاهرها وبواطنها ودفع الحوكمة الشاملة؛ والثالث هو تعزيز التعاون، بما يعزز الأمن؛ والرابع هو التركيز على الأمن الدائم، أي الالتزام بالتنمية والأمن على حد سواء، وتعزيز الأمن من خلال التنمية.
3. تعزيز التعاون الأمني يتفق مع المصالح المشتركة للصين ودول الشرق الأوسط.
في ظل التغيرات الكبيرة التي لم يشهدها العالم منذ قرن، أصبح التواصل بين الصين ودول الشرق الأوسط أوثق والتعاون بينها أعمق، الأمر الذي يعود بالفوائد لكلا الجانبين بشكل مستمر. إن تعزيز التعاون الأمني بين الصين ودول المنطقة سيساعد في تقليص العجز الأمني وتعزيز السلام في الشرق الأوسط، فتحقيق الأمن السائد في أسرع وقت لأمر يتفق مع مصالح جميع الأطراف.
هناك مقولات تعتقد أن الصين تملأ الفراغ عندما تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. هذا غير واقعي. تظل الشرق الأوسط لشعوب الشرق الأوسط، وهم سادة هنا، ومن اللازم أن يقودوا أمنهم بدلا من القوى الخارجية ، لذلك لا توجد قضية ملء الفراغ. لم تجعل الصين أبدا الشرق الأوسط ساحة للتنافس مع القوى الأخرى، لذلك ليس هناك قضية قول ملء الفراغ لأي طرف.
والأهم من ذلك، إن للصين لها علاقات وثيقة مع دول المنطقة، وهي تختلف اختلافا جوهريا عن العلاقات بين القوى الغربية الكبرى ودول المنطقة. ويتجلى هذا بشكل أساسي في أن الصين تعتبر السلام والأمن في الشرق الأوسط من مصالحها الخاصة، وتعتبر تحقيق التنمية المشتركة مع شعوب الشرق الأوسط أفضل طريقة لتنميتها. لن تتدخل الصين في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وتظل تدعو إلى التسوية السلمية للنزاعات الإقليمية من خلال الحوار.
منذ بداية هذا العام، قام مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة الشرق الأوسط مرتين. فتم تعزيز العلاقات بين الصين ودول المنطقة. وأصبحت مبادئ الصين أوضح وخططها أكثر تفصيلا وإجراءاتها أكثر نشاطا في شأن السلام والأمن الإقليمي. وأكد وانغ يي خلال زيارته أن تسوية القضية الفلسطينية لا يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ولا يمكن تأجيل الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة إلى أجل غير مسمى، ويجب إعادة العدالة إلى الشعب الفلسطيني.
خلال زيارته في مارس، طرحت الصين المبادرة ذات النقاط الخمس لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ومحتواها الرئيسي هو الدعوة إلى الاحترام المتبادل، ودعم العدالة والإنصاف، وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، وبناء الأمن الجماعي بشكل مشترك، وتسريع التعاون والتنمية. وخلال زيارته في يوليو ، طرح الجانب الصيني المبادرة ذات النقاط الأربع لحل المسألة السورية والأفكار ذات النقاط الثلاث لتنفيذ “حل الدولتين” لفلسطين والإسرائيل.
كما اقترحت الصين إنشاء منصة حوار أمني في منطقة الخليج، وبادرت في عقد ندوة الشخصيات الفلسطينية الإسرائيلية المحبة للسلام في دورها الثاني، ورحبت بممثلي مفاوضات من فلسطين وإسرائيل للحضور إلى الصين لإجراء مفاوضات مباشرة، ودعت إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والأطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الأوسط.
4. في مواجهة الوضع الدولي والإقليمي الجديد، أصبح تعزيز التعاون الأمني بين الصين ودول الشرق الأوسط أكثر أهمية من أي وقت مضى. لتحقيق لهذه الغاية يمكن للجانبين العمل معا في الجوالب التالية:
أولا، تعزيز التفاهم المتبادل وزيادة التفاهم. في الوضع الجديد، نحتاج إلى تحسين فهمنا باستمرار للوضع الأمني الإقليمي واستراتيجياتنا الأمنية الخاصة، وتوسيع نطاق تفاهمنا حول تحقيق الأمن العالمي، والتمسك المشترك بالمفاهيم المشتركة المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والإنصاف والعدالة، والصداقة والتعاون والفوز المشترك. من الممكن فهم سياسة الصين الأمنية في الشرق الأوسط في ظل الوضع الجديد من خلال المبادرات المختلفة التي طرحتها الصين.
ثانيا، تعزيز التعاون الأمني بنشاط. تعزيز التواصل والتعاون على القنوات الثنائية والمتعددة الأطراف وفي مناسبات مختلفة لإيجاد ظروف إيجابية للأمن في الشرق الأوسط بشكل مشترك. ستساعد مبادرة الصين لإنشاء منصة الحوار الأمني الخليجي في سد الفراغ في آلية الأمن في الشرق الأوسط آملا أن أحظي باستجابة ودعم من الأصدقاء.
ثالثا، تقوية الثقة والتحلي بالصبر. لقد تراكمت القضايا الأمنية في الشرق الأوسط منذ التاريخ الطويل، لا يمكن حلها بخطوة واحدة. من المفرح أن يتم اتخاذ بعض الإجراءات الإيجابية بين دول المنطقة مؤخرا لتخفيف العلاقات المتوترة. يجب أن ننطلق من المصالح المشتركة للأمن السائد، وأن نجرى الحوار بصبر كاف، لتبني الثقة تدريجيا.
يرتبط الأمن بالسيادة بشكل مباشر، والأمن هو الأكثر موثوقية في يد أنفسنا. إن الأمن السائد جزء مهم من بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية ويتوافق مع مصالح جميع الأطراف. يجب أن نأخذ زمام المبادرة في الوضع الجديد، ونجتهد معا لتحقيق الأمن السائد في الشرق الأوسط.
*سي جي تي إن العربية.