CGTN العربية/
انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية التي تعد واحدة من أهم المنظمات الدولية خلال تفشي وباء “كوفيد-19″، يبدو ذلك أمر هزلي. ليس ذلك فحسب، بل ادعت الولايات المتحدة أن منظمة الصحة العالمية خيبت آمال العالم في الاستجابة للوباء.
في الواقع فإن منظمة الصحة العالمية لم تخذل العالم، ومن فعل ذلك هي الولايات المتحدة.
فهناك توافق عالمي على أن القادة الأمريكيين هم من أفسدوا الأمور. فالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى حصلت على نفس المعلومات وكان لديها وقت وفرصة أطول لوضع خطة أفضل للاستجابة للوباء، لكنها لم تفعل ذلك.
لم تفشل الولايات المتحدة في الاستجابة للوباء فحسب، بل وفي نظرتها للعالم. وفي عام 1947، سعى الرئيس هاري ترومان جاهدا لدفع بلاده للانضمام إلى منظمة الصحة العالمية التي أنشأت حديثا آنذاك. وقال: “أعتقد أن منظمة الصحة العالمية ستسهم بشكل كبير في تحسين الوضع الصحي في العالم”. وكان لمنظمة الصحة العالمية دور بارز في ذلك بالفعل.
ساعدت منظمة الصحة العالمية العالم في القضاء على الجدري تماما والتخلص من شلل الأطفال بشكل جذري، وقادت الدول الأفريقية إلى تطوير لقاح مضاد للإيبولا، كما وجهت كل الحكومات لمكافحة الإيدز والملاريا والسل الرئوي. يبلغ الإنفاق السنوي للمنظمة خمسة مليارات دولار أمريكي، وهو ما يعادل سعر خمس طائرات قاذفة من طراز “بي 2”. أعتقد أن هذه الميزانية تساوي ما تقوم به المنظمة من جهود ومبادرات، ويمكن القول إن هذه هي الطريقة الأكثر حكمة وفعالية لاستخدامها. لكن الولايات المتحدة تعتزم وقف دعمها المالي للمنظمة.
بشكل أو بآخر تعد منظمة الصحة العالمية هي مؤسسة غير ربحية تلهم البشرية للتضامن وتعزيز منظومة الصحة العالمية. كغيرها من المؤسسات الدولية الكبرى، تعاني من بعض المشكلات، ولكنها لم تصل إلى حد نفي دورها المحوري بشكل تام. تظهر منظمة الصحة العالمية أفضل ما في الطبيعة البشرية، حيث تقدم الهدف المشترك للبشرية على مصلحتها الخاصة، مثل محطة الفضاء الدولية واليونسكو واتفاق باريس للمناخ.
ولكن منظمة الصحة العالمية هي أيضا منظمة عملية للغاية. ومن المفارقات أنه تم تأسيسها بدعوة من الولايات المتحدة في بداية الأمر، كما جلبت لها العديد من المميزات. فيشغل الأمريكيون العديد من المناصب الإدارية العليا في هذه المنظمة الدولية، ويتم رفع نتائج الأبحاث والسياسات الداخلية إلى الحكومة الأمريكية بشكل دوري. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشركات الأمريكية المصنعة للأدوية يتم إدراج عقاقيرها ومنتجاتها في قائمة التوصيات التي تصدرها منظمة الصحة العالمية.
فما تفعله الولايات المتحدة الآن تجاه المنظمة يبدو أمرا غير منطقيا!
حتى ولو كانت الولايات المتحدة لا تريد أن تلعب دورا قياديا، فهي لا تزال جزءا “متأصلا” من النظام العالمي، ولا تزال الاقتصاد الأكبر في العالم، ومن المستحيل أن تنفصل عن العالم. ستؤثر المشاكل الصحية التي تواجهها الدول النامية على الأمريكيين والشركات والحكومة الأمريكية. وستتقلص قدرات منظمة الصحة العالمية بدون الولايات المتحدة، وستتضرر الولايات المتحدة بشدة بانفصالها عن المنظمة.
بغض النظر عن السبب وراء ذلك، فإنه ليس من الحكمة الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، لأن التفكير برؤية قصيرة المدى سيجعل الولايات المتحدة تدفع ثمنا باهظا لقراراتها. ستفقد الولايات المتحدة حقها في إبداء الرأي وتأثيرها وأهميتها على المسرح العالمي. فكيف تريد الولايات المتحدة أن تحافظ على مكانتها كقوة عظمى؟ هل تريد اتباع سياسة الانعزال كما حدث في الفترة قبل تولي وودرو ويلسون رئاسة الولايات المتحدة، أو العودة إلى شكل الحياة البدائية كما كان فيما قبل كولومبوس؟
لتعود الولايات المتحدة إلى مكانتها كقوى عظمى مرة أخرى، يجب عليها أن تتوقف عن سياساتها وقراراتها “الطفولية”، وتواجه الواقع بشكل مسؤول وعقلاني.
فإن انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية لن تستطيع الانفصال عن العالم.