وكان الهدف من هذا الإضراب الشامل الذي قررته لجنة التنسيق والتنفيذ التابعة لجبهة التحرير الوطني وأوكلت مهمة تحضيره إلى قادة الولايات الست, من 28 يناير إلى غاية 4 فبراير 1957, هو إشراك المنظمات الجماهيرية بمختلف أطيافها, سيما العمال والتجار والحرفيين, في العمل الثوري وتوحيد صفوف الشعب الجزائري حول قضيته المصيرية وإسقاط ادعاءات الاستعمار التي تصف المجاهدين بأنهم عناصر خارجة عن القانون وإسماع صوت الثورة الجزائرية وكشف جرائم الاستعمار, مع التأكيد على أن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري.
وقد حقق الإضراب المتميز في مدته وشموليته للوطن, أهم هدف للثورة التحريرية, حيث دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال11, إلى إدراج القضية الجزائرية في إطار حق الشعوب في تقرير مصيرها وذلك بطلب من الكتلة العربية-الآسيوية, كما أفشل مخططات المستعمر في عزل الشعب عن ثورته باستعمال المغالطات والتشويه والتشويش, ومكن من قطع طريق العودة أمام المنادين ب”جزائر فرنسية” وإحداث القطيعة النهائية بين النظام الاستعماري ومختلف فئات الشعب.
ومن خلال استجابته الواسعة للإضراب, وجه الشعب الجزائري ضربة قاضية لفرنسا الاستعمارية التي جابهت صمود الجزائريين بالتقتيل والتنكيل الهمجي والاعتقال والتعذيب والتشريد وتحطيم الممتلكات, وتكبدت جبهة التحرير الوطني خسائر مهمة تمثلت في اكتشاف الإدارة الفرنسية لعدد من خلاياها بالعاصمة والعناصر المتسربة داخل الإدارة الاستعمارية, سيما بعد مجيء الجنرال لاكوست الذي أعلن عن قيام ما أسماه ب”معركة الجزائر”.
وشنت القوات الفرنسية حملة من الاعتقالات التي طالت عددا من قيادات الثورة وعلى رأسها العربي بن مهيدي الذي استشهد نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له, كما تم اكتشاف مخبأ علي “لابوانت” ورفاقه الذين رفضوا الاستسلام وآثروا الاستشهاد, فضلا عن تراجع عدد العمليات الفدائية لوقت طويل بالعاصمة.
ويؤكد المؤرخون, أن السلطات الفرنسية قامت بحملات تمشيط واسعة لتطويق الإضراب والقضاء على “حوالي 1500 فدائي مسلح” في القصبة كانوا يحظون بدعم ومساندة “حوالي 5000 مدني”, كما قامت باستجواب “40 بالمائة من المواطنين الجزائريين واعتقال العشرات منهم وقتلهم, ناهيك عن وضع سبعة آلاف جزائري آخرين في المحتشدات”.
غير أن كل ذلك لم ينل من روح المقاومة لدى الشعب الجزائري, وهو ما أثبتته هبة 11 ديسمبر 1960 ومواصلة الكفاح بمختلف السبل إلى غاية افتكاك الاستقلال.
وفي إحدى شهاداته التاريخية, سرد المجاهد الراحل ياسف سعدي, تفاصيل التحضير لهذا الإضراب, مشيرا إلى انه التقى في نهاية شهر ديسمبر 1956 بالعربي بن مهيدي الذي أبلغه قرار لجنة التنسيق والتنفيذ بشن الإضراب, وسلمه المال من أجل ضمان تموين سكان الجزائر العاصمة دون تفطن جيش الاستعمار لذلك.
يذكر أن هذا الإضراب التاريخي الذي كان تجسيدا فعليا لبنود مؤتمر الصومام التي أكدت على ضرورة تفعيل الدعم الشعبي وتوظيفه لمساندة الثورة, قد شهد مساهمة فعالة للجالية الجزائرية في الخارج, سيما في فرنسا, في رسالة واضحة لتأكيد تماسك الشعب الجزائري والتحامه مع قيادته الثورية.
وقد أثار الإضراب عدة ردود فعل دولية, حيث تحركت معظم شعوب العالم للدفاع عن حق الشعب الجزائري في نيل حريته, ومن ذلك “الخطاب الجزائري” الذي ألقاه السيانتور جون فيتزجيرالد كينيدي في 2 يوليو 1957 أمام مجلس الشيوخ الأمريكي, قبل أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة, وأظهر فيه بصراحة موقفه الداعم لاستقلال الجزائر, منتقدا بشدة ممارسات الاستعمار الفرنسي وسياسة الولايات المتحدة الداعمة بشكل كلي لفرنسا في مواجهتها لجبهة التحرير الوطني, مؤكدا أن “استقلال الجزائريين أمر لا مناص منه”.