خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
رشيد ازريقو*
الكاتب ناشر في شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية – إعلامي مغربي في القناة الصينية العربية مقيم في الصين.
يقال إن الإنسان ابن بيئته، مما لا شك فيه أن البيئة لها تأثير كبير على سلوك الفرد وتوجهاته وقراراته. رغم الاستقرار الذي عرفته البشرية منذ زمن بعيد سيظل الإنسان تواقاً للهجرة.
لطالما حلمت أن أكون شخصاً عالمياً، لا يمكن لتأشيرة العبور أن تحد من طموحاتي وأحلامي. لكن، كل العراقيل والصعوبات التي كانت حجر عثر في طريقي للوصول إلى هذا البلد العظيم في شرق آسيا، أضحت من الماضي، وها أنا اليوم أنتمي وبكل فخر إلى الأمة الصينية العظيمة وتربطني بها علاقة الدم والقرابة.
محطتي الأولى كانت بكين، فور أن وضعت رجلي في مطار بكين الدولي، انبهرت بجمالية وشساعة المكان، وانتابني شعور غريب ممزوج بالقلق والحيرة، وراودتني الكثير من الأسئلة الغريبة والمعتادة، كأنني في حلم اليقظة، هل فعلا وصلت إلى بلاد التنين؟؛ لماذا كل هذه الحشود من الناس متشابهة؟ إلى أين سأتجه الأن؟ ما العمل؟
كل هذه الفوضى والأسئلة تلاشت عند وصولي للفندق، وسرعان ما تبادر لذهني مقال بعنوان: ” لا تتنفس! أنت في بكين” للكاتب اوليفير واينرايت. يا لها من صدفة غريبة!، وأنا أتجول بالقرب من الفندق، سماء بكين زرقاء صافية، وهواء نقي منعش، أين الخلل إذن؟! هو مقال يسلط الضوء على صراع الطاقة في العالم، ترجمته “نون بوست” عن الغارديان البريطانية.
لطالما كانت جودة الهواء محل قلق للكثيرين، نظراً للتلوث الملحوظ في المدينة، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت الصين رائدة في مجال الطاقة المتجددة، وتمكنت من قيادة العالم في مجال الطاقة الشمسية والريحية والمائية، وصناعة السيارات الكهربائية..، وهذا يتضح وبالملموس في مواصلات المدينة من ميترو الأنفاق إلى حافلات النقل العمومي والسيارات السياحية، حيث أغلبها يعتمد ويعمل بالطاقة النظيفة.
في العام الماضي استضافت بكين المعرض الدولي للبستنة، وبهذا الحدث الضخم نستشف أن الصين عازمة على مواصلة التركيز على التنمية الخضراء والمستدامة وحماية البيئة.
أنا وبكين تربطنا علاقة حب أبدية، وأنا على يقين أنها ليست علاقة حب من طرف واحد.
أعشق تفاصيلها وابتسامات أهاليها الطييبين. فالمتجول في أزقة وشوارع بكين العتيقة يشعر في الوهلة وكأنه في رحلة مجانية عبر الزمن. بالتمازج الثقافي المعماري، استطاعت بكين الحفاظ على هويتها المميزة، وأصالتها، وعاداتها، وتقاليدها الفريدة.
عادة أتجول بدراجتي الهوائية بين شوارع وأزقة بكين العتيقة، حيث الهدوء والسكينة، وعبقرية التصميم وهندسة في غاية الدقة. أحب الجلوس أمام أزهار اللوتس رمز الجمال والنقاء والصفاء، بجمالها وألوانها الزاهية، كانت وحيا للفنانين ومصممي الأزياء فنقلوها للوحاتهم وأقمشتهم.
وأنا في سفر فكري مع أزهار اللوتس في قلب بكين، ينتابني إحساس جميل، كأنه ملاك يقول لي سأجعل الحياة جميلة من أجلك!، لكن بشرط، عندما تكون سعيدا أظهر سعادتك ليعلم الأخرون أن السعادة ما زالت موجودة بيننا، وعندما تحزن أخفِ حزنك كما يخفي الربيع آثار الخريف.
بكين أرض الحكمة والتاريخ، الحداثة والتطور، الأصالة والمعاصرة، السكون والصخب.
أركب الميترو للذهاب للعمل حيث السرعة والكفاءة، وكأنه ينتمي لجيل مختلف، بكين تعيش بين عالمين متناغمين يسودهما التعايش والانسجام.
زرت سور الصين العظيم أكثر من مرة، لاحظت أن السياح والزوار الصينيين يأتون ليس لالتقاط الصور والاحتفاظ بذكرى جميلة توثق هذه الزيارة، والاستمتاع بجمالية وروعة المكان فحسب، بل يأتون لصلة الرحم مع أسلافهم واستحضار عظمة وتاريخ الأمة الصينية والتطلع الى المستقبل.
من سور الصين العظيم أحدثكم عن نفسي وتجربتي المتواضعة في هذا البلد المترامي الاطراف، وجودي هنا ليس بالصدفة ولا بالغرابة وصلت إلى بلاد التنين بعد سنوات من العمل والتخطيط. لم أندم على وجودي في الصين، بل أنا فخور للغاية بانتمائي إلى هذه الأمة العظيمة حتى ولو لم أكن صينيا بالولادة.
جائحة كورونا أول وأصعب امتحان أمرّ به في بلاد التنين، في بدايات انتشار هذا الوباء كلمتني أمي، بلغة الحنين والاشتياق، رغم أنها لا تجيد استعمال الهاتف، أصرت أن تكلمني وتطلب مني العودة في أسرع وقت، قائلة: “يا بني عد لنا آمنا” وهي تذرف الدموع، قلت لها وأنا ابتسم لكي يطمئن قلبها “يا أمي أنا آمن في بلدي الثاني فنامي على جنب الراحة” بعد ثوانٍ قليلة انقطع الخط لضعف الشبكة هناك.
يوماً بعد يوم وكورونا (كوفيد-19) يتسلل بين أزقة ودروب مدينة ووهان، كنت أظن وجودي في بكين بعيداً كل البعد عن ووهان، ما بالك بمن يسكن في المغرب الأقصى.
فيروس كورونا الجديد، مهاجر سري يتسلل بحراً وجواً، يتمرد على الحدود الجغرافية والأسلاك الشائكة، باحثا عن كل من يستهتر ويستهزئ به، ويرفع رايته البيضاء لمن يلتزم بحجره الصحي.
زمن كورونا، زمن التغيير وإعادة التفكير.