جريدة الدستور الأردنية/
خالد رافع الفضلي*
أمريكا هي بُنية فكرية مليئة بالتناقضات، مع قناعات تبشيرية بتغيير العالم على النحو الذي يحب الأمريكيين بحسب مخيالهم القاتم. مع تصور سادي بأن أفكارهم عالمية – «تفوّق الفرد والتعبير الحر غير المقيد، لكنها لم تكن كذلك في يوم من الأيام»، فهي دائماً تبني سياسة خارجية عضلية شوفينية متغطرسة. علاوة على ذلك، هم يخلقون بيئة تآمرية تصور الدولة كحصن تحت الحصار يجب أن تحمي نفسها من المشاعر المعادية لها.
يمكن النظر إلى الهيمنة الأمريكية على أنها «مبدأ تنظيمي»، أو نظرة عالمية تنشرها وكالات التحكم العقائدي ووسائل أعلامها في كل مجال من مجالات الحياة اليومية، فإرث 11 سبتمبر كان حاسماً لخلق هذا البُعد «الجديد» للأمن القومي الأمريكي والاستعداد لاستخدام العنف الدموي والاستبداد والظلم في ظل ظروف مشروعة مزعومة. لذلك، يتبدى للجميع أن ما تسعى الولايات المتحدة للدفاع عنه هو هيمنتها وليس أمنها القومي التي تتذرع به، ويتم استخدام هذه الفكرة المُمَوّهة لتبرير طرقها أبواب الشعوب واستعبادها دون أدنى حرج.
العداء المُستجد ضد الصين هو تلك العقلية الفجة التي يمكننا أن نفهم من خلالها سبب لجوء أحفاد سالي إلى لغة الاستعداء ضد «الصين»؛ فإن حقبة 11 سبتمبر انتهت وبدأت حقبة جديدة بعدو جديد خلقه البيت الأبيض في دسائس أروقته وعبر جحافل من وسائل التواصل الاجتماعي والمتصيدون. بدءاً من الحرب التجارية الى التدخل الصارخ في الشؤون الداخلية لسيادة الصين على أراضيها وانتهاءً بـِ (جائحة كورونا).
يعود السبب المكتوم وراء وجود تغطية سلبية متزايدة للصين – خصوصاً في الآونة الأخيرة حين بدأ المزيد من الأمريكيين فجأة في إظهار اهتمامهم بما يُسمّى حقوق الإنسان في الصين، وخاصة إدعاءات الصراع في منطقة شينجيانغ – هو أن الحكومة الأمريكية تقوم بحملة لإثارة الحرب الباردة الجديدة، وتعزيز عقيدة الأمن القومي لدونالد ترامب التي أُدخلت في عام 2018، والتي أعلنت أن الولايات المتحدة تنتقل من الحرب على الإرهاب إلى منافسة قوية مع الصين.
في نهاية المطاف، نحن نعيش في عالم يتغيّر بسرعة متزايدة؛ فمن الضروري مراعاة عمليات الانتقال لأنه لا يتم استبدال النظام العالمي المنهار فوراً بنظام جديد. والسبب أن هناك دائماً فترة من إعادة التعديل، قصيرة الأجل أو العكس، حيث تتعايش «الأوامر القديمة والجديدة». وكما اقترح جرامشي، «القديم يَموت ولا يمكن أن يولد الجديد».
– محاضر وباحث مُتخصّص في شؤون الصين والعلاقات الأردنية الصينية وناشط في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.
مقالة مهمة جدا.. ومكتوبة بلغة فلسفية قوية لا يتقنها سوى المتمكنين على مثال الاستاذ خالد رافع الفضلي..