جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
قبل ثلاثة أيام، وبأمر من زوجتي، انطلقتُ في رحلة اضطرارية مَشياً على قَدَمَيَّ، بهدف شراء قطعة من اللحم الأحمر لتزيين سدر المَنسف بها، إلا أنني عدت إلى منزلي بدون لحم وبلا خبز شراك. وبالتالي، صار المَنسف في خَبر كانَ!
تكمن المشكلة في أن مَشاهد (المَلاحِم) التي دلفتُ إليها مُرغماً دبّت الرُّعب في قلبي، وأطارت صوابي. فهناك، في كل ملحمة من تلك التي اعتقدت سابقاً أفضليتها الصحيّة، تكمن مشكلة واحدة حقيقية. كنت أعتقد سابقاً، أن المَلاحم تشابه عيادة الطبيب والمشفى في نظافتها والتزامها الصحي ووعي موظفيها، إلا أن ما شاهدته شكّل صَدمة لي لن أنساها ما حييت.
في كل مَلحَمة من تلك المَلاحم العديدة التي دلفت إليها، كان موظف واحد على الأقل لا يرتدي كِمامة، و/أو أن يديه عاريتان من قفازات ضرورية لهذه المهنة التي تُلامس فيها أصابع البائع لحم الذبِيحة ودمها. أما بشأن غطاء الرأس، فالأقل من الباعة يَضعه على رأسه، وكان هذا المَشهد كفيلاً بإلغاء مشروع المَنسف في عائلتي، وتأجيله إلى تاريخٍ أنسب.. إلى يومٍ نحتفل فيه بانتصارنا المؤزّر على فيروس كوفيد-19 اللعين، الذي أنساني المَناسِف واللحوم الحمراء حتى إشعار آخر!
بعد عودتي من رحلة البحث المُضني عن قطعة لحم أحمر بدون أيّ فيروس، صَدمني سلوك مُشين حدث أمامي بالضبط: مجموعة من الشبيبة (الناهضة!) الفالتة من عِقالها تَعرض (مواهبها!) وعَضلاتها (الضامرة). لذلك، هؤلاء لم يعثروا على ما ينشغلون به سوى (التشحّط) وإزعاج الآخرين بأبشع طريقة، وهدفهم هو لفت انتباه المُشاة وتحدّي الجميع بدون استثناء. لم يكتفِ أصحاب السيارة بتشحيطاتهم، وأقل وصف لهم أن فِعلتهم سلوك همجي، وزاد أحدهم عليها سوءاً على سوء بقذفه قارورة مياه كبيرة وفارغة من نافذة السيارة، والحمد لله أنها لم تصب أيّاً من المواطنين، وإلا لتحوّل الأمر إلى عطوة عشائرية في زمن كورونا، حيث نشهد على ألوان مُستهجنة من سلوكيات جزء غير مسؤول من الجيل الطالع، الذي يلزم أن تلزمه الجهات المَعنية بالانضباطية، وإن لم تنفعه الكلمة الطيبة، فبغيرها من الإجراءات الحاسمة سيَصلحُ حاله. أَعجب مِن بعض أبناء شعبنا الطيب أن يُسوّد صفحته مَن يَستعرضون عضلاتهم علينا في شوارع عمّان العريقة تاريخياً وحضارياً، والتي تستقطب ملايين السيّاح الأجانب والعرب المُغرمين بإرثها الإنساني الذي يَجذبُ عُلماء الآثار، وأساتذة التاريخ، والباحثين عن الأسرار والألغاز..
يبدو أنني في زمن كورونا لن أتمكن من قضاءِ أوقاتٍ سعيدة في أي مكان أتواجد فيه. مشكلتي تكمن في أنني أنتبهُ بدقة لكل خطأ اجتماعي ولكل سلوك بشري يتحدّى القوانين من جانب جزء من أبنائنا الذين يُسِيؤون إلى سمعة الوطن. لاحظتُ على امتداد سنين مَطوية أن هؤلاء بالذات عبارة عن مجموعات شبابية لا يَردعها سوى السّجن وغرامات باهظة، ففي عهد كورونا وخارجه لم تتغير أمزجتهم، وبقيت (سوداءً كَ سوادهم المَقيت).
ـ ختاماً، أتمنى أن يكون لدينا في زمن كورونا وخارج إطارها أيضاً، انضباطية جماعية وشاملة ومشابهة لانضباطية الصينيين؟.
*كاتب وصحفي أردني.