شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
أحمد نصّار*
أظن أن الكثيرين منكم يعرفون أني أقيم وأعمل في الصين منذ أربع سنوات تقريباً، وأن أول زيارة لي إلى الصين كانت في عام 2014، وأن رسالتي في الماجستير كتبتها عن السياسة الخارجية الصينية، وعليه فإن ما يلي شهادة مني لله أولاً ثم للناس لا أبتغي منها منفعة أو مصلحة.. وأسمحوا لي قبل ان انقل شهادتي عن الصين ان أستذكر معكم موقفاً سابقاً حدث معي أثناء دراستي في سوريا، وكان ذلك في أواخر عام 2012، عندما قررت أن أزور غزة لأول مرة منذ سفري الى سوريا، وقد كانت الأزمة السورية أنذاك على أشدها، خصوصاً في الساحل السوري مكان دراستي، وكان مر عليها ما يقارب السنة و8 أشهر، ورغم أنني كنت مقيماً في اللاذقية، إلا أنني بعد ان خرجت من سوريا الى غزة ودأبت على متابعة الأخبار، شعرت أن سوريا بأكملها قد دُمّرت.. اندثرت.. انتهت بالكامل..! لم يبقى خبز ولا ماء ولا غاز، ولا أي مقومات للحياة هناك.. ولا أبالغ إن قلت ان جميع مَن كان يلقاني في غزة أو مصر في ذلك الوقت لم ينصحني بالعودة بتاتاً، والجميع أثار الخوف والذعر في قلبي من العودة الى سوريا، ورغم ذلك رجعت واكملت دراستي وتخرجت والحمدلله. عودة الى الصين..
منذ أن تعرضت الصين لوباء كورونا المُستجد، وأنا أُتابع يومياً معظم وكالات الأنباء العربية منها والأجنبية، إضافةً طبعاً لمصادر الأخبار الصينية التي اتابعها باستمرار بحكم عملي هناك.. والذي لفت انتباهي وأثار حفيظتي، عدة أمور، أهمها: أولاً: التهويل الإعلامي المتعمد لتداعيات الوباء على الصين بشكل خاص، وعلى العالم بشكل عام، ذلك التهويل – الذي لم يترك فرصة لضرب الصين في مقتل اقتصادها – إلا وانتهزها بأسوأ التحليلات وأبشع الطرق، وحدّث ولا حرج عن كمية الفيديوهات التي إدّعى ناشروها انها من الصين، مثل فيديو سوق ووهان للطعام وهو ليس من ووهان ولا من الصين أصلاً! أو الطبيبة التي قالت أن عدد الوفيات أكبر بكثير مما تدعى الحكومة الصينية!
لن اتناول كل فيديو ومحتواه للاختصار، ولكن الكثير من الفيديوهات التي انتشرت هي غير صحيحة، ويستطيع أي باحث ان يخصص من وقته القليل لكشف كذب الكثير من الفيديوهات والادعاءات بخصوص الصين..! تحدث الكثيرون وكأن الصين باقتصادها وعمرانها وبُنيتها التحتية شارفت على الانهيار بسبب ذلك الوباء! لا شك ان انتشار المرض أثر على الحياة اليومية في الصين، ولكن ليس بالصورة التي ينقلها الاعلام العربي والغربي، ولو سمحت لنفسك بإعمال عقلك قليلاً لوصلت الى نتيجة مضمونها أن دولة مثل الصين لا يمكن ان تنهار بسبب وباء أصبح الآن تحت السيطرة بشكل كبير..
الصين التي يبلغ تعدادها أكثر مليار و380 مليون نسمة، موزعين على 22 منطقة، لتحتل بذلك المرتبة الأولى عالمياً في عدد السكان، والثالثة بالنسبة للمساحة، سوف لن يُضيرها وباء أصاب ما نسبته لا تتجاوز 0.001 من عدد السكان، وحتى هذه اللحظة ما زالت مدن الصين وحتى المدينة التي تعتبر بؤرة الوباء (ووهان)، يُمَارِس فيها الناس حياتهم بشكل طبيعي ويوجد محلات وأسواق مفتوحة، وعمال توصيل ونظافة ومواصلات وخطوط سكة حديد ومترو أنفاق، وذلك بشهادة المقيميين هناك وأنا على تواصل مستمر معهم، وكذلك.. ورغم الاستهلاك المرتفع للمعدات الطبية والكمامات والأدوية وتخزين الطعام، إلا ان الصين لم تشتكي من قلة المواد الأساسية او حتى انخفاض ملموس في الحاجيات اليومية للناس.
الأمر الثاني الذي اريد الخوض فيه، وهو الموضوع الرئيس الذي دفعني للكتابة هذه المرة، هو شماتة البعض بالصين والادّعاء أن هذا الوباء هو “عقاب من الله عزوجل للصين لقاء ما فعلته بمسلمين الايغور”.. وخلينا نحكي بالعامية هَان:.. “في مثل عربي عنّا بيقول: “اللي ما بيشوف من الغربال بيكون أعمى..!”..
أنا بدي أي حد من اللي قاعدين ليل نهار بيحكوا عن الصين ومسلمي الصين والاضطهاد في الصين، انو يبعتلي صورة واحدة صحيحة فقط أو فيديو لأي عملية اضطهاد أو تعذيب أو قتل لمسلم واحد داخل الصين، وهاد مو تحيّز أو تحدي لأي جهة، بس إحنا مسلمين أجانب، ومقيميين في الصين من فترة طويلة، والله ثم والله لم نتعرض لأي مضايقات من الصينيين كشعب أو حكومة، بل على العكس، في كل مدينة صينية يوجد مسجد أو مسجدين للمسلمين، وفي كل مدينة صينية يوجد عشرات المطاعم اللي بتقدم الاكل الاسلامي والذبح على الطريقة الاسلامية، ومعظم العرب الموجودين في الصين ومرتبطين بشغل معنا موجودين معي على الفيس بوك، وبتمنى من أي واحد فيهم ان ينفي الكلام اللي بقولوا او يحكيلي موقف او قصة اتعرض فيها لاضطهاد او تعنيف لأنه مسلم، أو تم التعرض لحجاب زوجته أو أُخته بالشارع، أو اتعاملت بطريقة غير لائقة من الشعب الصيني لانها لابسة حجاب، أو فكرت لمرة واحدة انها تخاف تنزل ع الشارع لأنها لابسة حجاب، أو خاف أو خجل في مرة انو يقول انو هو مسلم، سواء في الدوائر الرسمية أو اثناء علاقات العمل مع المصانع او المحلات الصينية! ..
أصلاً من بين كل عشر مكاتب عربية في الصين، في اتنين أو تلاتة منهم موظفاتهم مسلمات صينيات وبيلبسون الحجاب، وبيحكون عربي مكسر، وشغلهم ماشي وما حدا بيحكي معاهم، غير العرب اللي متزوجين صينيات ومسلمات وعايشين معهم بكل اريحية.. يا اخوان أنا ما عم دافع عن الصين او الحكومة الصينية.. يا أخوان كيف بدها تكون حملة ممنهجة والرئيس الصيني في عام 2016 اظن أو 2017 زار المناطق المسلمة وخلع حذاءه، وتناول معهم الطعام، رغم أنه غير مسلم، وهو رئيس دولة عظمى وما في أحد بيجبروا انو يراضي أقلية عندو، وهما بالمعنى الحقيقي مو اقلية أبداً، لأنه تعداد المسلمين في الصين لعِلمكم وصل لرقم كبير، وهم مسلمون سُنَّة كمان، ما بعرف أي حكومة فيها عقل بدها تضطهد عشرات ملايين المسلمين..!!!
يا أخي: إنتا بتزور الصين وفيزا الصين سهلة.. كلف حالك ب100 دولار واركب طيارة وروح ع شمال الصين وشوف المسلمين هناك.. روح شوف ما رح تخسر حاجة.. اعتبرها تجربة في حياتك.. روح شوف المساجد كيف مبنية ومجهزة.. روح شوف المطاعم الاسلامية.. شوفهم بشهر رمضان ورد علي بقولك انهم بيجبروهم انهم يفطروا.. حدا من الشباب المسلمين المقيمين في الصين يقولي متى أخر مرة اجبرتوا الحكومة الصينية انو يفطر!!..روح شوف حفلات زواجهم ودبح الاضاحي بالاعياد.. روح شوف حلقات تحفيظ القرآن.. كلف حالك واسأل مسلم صيني عن آية في القرآن أو قضية ملامسة الرجل للمرأة مثلاً، وشوف شو بيجاوبك.. ورح تعرف كيف أنهم مثقفين ديناً وعندهم حرية ممارسة شعائرهم مثلنا ويمكن اكتر من بعض الدول العربية كمان..! يا اخي في فرق بين ممارسة الدولة لسلطاتها على كامل الشعب أو بعض الاقاليم وبين إضطادها لعقيدة او دين.. وع فكرة.. انا ما بدي التفت لهالنقطة بس لازم يكون ببالك انو “بعض” المسلمين في الصين عندهم نزعة انفصالية وبيطالبوا باقليم ذاتي الحكم، وفي فيديوهات موثقة لعمليات عنف وهجوم لمسلمين في بعض المدن الصينية، وتزايدات بعد ما رجع بعض مسلمي الصين من سوريا اللي كانوا بيقاتلوا فيها، وهالفترة بنتذكرها منيح لما كان أي حد جاي من تركيا ع الصين كان يتوقف وينسأل.. وبتوقع انو ما في حكومة في الكون بتقبل هذه التصرفات، ولا رح توقف ساكتة لما تشوف أي حد.. مسلم أو غير مسلم.. بيمارس العنف.. ولو ما شفت هي الفيديوهات فهي مشكلتك..انتا متابع ومتبني وجهة نظر واحدة ومؤمن فيها…انتا حر.
ورغم ذلك، ما شفنا أي ضغينة او كراهية من الصينيين للشعوب العربية أو الاسلامية، بل على العكس، شعبياً بتحس انو الصيني منبهر بالاجنبي من وين ما كان، ولما يعرف انك فلسطيني بيصير يقولك “اه عرفات، تشاينا وبالستين فريند” يعني عرفات فلسطين والصين أصدقاء، واذا ما بتعرف ليش روح إقرأ تاريخ وإعرف شو الصين عملت للقضية الفلسطينية.. بعد كل هاد، بيجي البعض ليتشمت في الصينيين، ويُجيِّر ارادة الله لاثبات وجهة نظر هو أصلاً مو متأكد منها، ويشوّه دين الاسلام الحنيف، ويقحموا بقضايا ما إلها علاقة بالاسلام، بل ويتحدث نيابة عن الخالق عزوجل انو هالوباء هو عقاب للصين على ممارساتها، يا اخي اذا زعلان كتير من الصين ارمي منتجاتها، قاطعها ان استطعت، ارمي من بيتك كل منتجات الصين اذا قدرت، اوقف استيراد منتجاتها “عقاباً لها!” على ما تدعيه من “ممارساتها مع المسلمين!!”..
الصين ما رسمت كاريكاتير مسئ للرسول صلى الله عليه وسلم، وما احتلت اراضيك، وما منعتك من الصلاة في الاماكن العامة، وما ايدت بيع مقدساتك والتفريط بعاصمة بلدك، بل ايدتك وساعدتك واكدت على حقك بالاستقلال كفلسطيني، الصين ما اتشمت بضحايا الازمة السورية، ولا احتفلت بضحايا الاقتتال الليبي، ولا فرحت بالحرب الدائرة في اليمن، ولا قالت ان الكوليرا او فيروس الكبد الوبائي هو عقاب من بوذا للمسلمين!! بل على العكس..والله ما كنا نرى على الإعلام الصيني ووسائل تواصلهم الالكترونية إلا كل تعاطف مع قضايا العرب في كل مكان.. الصين فاتحة ابوابها للاستثمار من كل الجنسيات، وآلاف العرب والمسلمين إلهم مشاريع في كل مدن الصين، ومن اللي بعرفهم مقيم في الصين من أكثر من 17 سنة، ومسلم وبيصلي وبيصوم ومطلق لحيته ولسه لحتى الآن في الصين (بيكون عرفني الآن هههه)..
صدّقوني، الصينيين ما بيستاهلوا انو البعض يقابلهم بشماتة وفرح للي بيصير عندهم… كمان يعني هو “الكورونا” رح يِفرّق بين صيني وعربي.. او مسلم وكافر وملحد ومسيحي..؟ اللي مقيم في الصين او اللي متابع الاخبار بيعرف انو الصين بكامل طاقتها وقدراتها بتحارب هالوباء.. في كل اجراءاتها ومؤسساتها بتلاحظ انها بدها تحافظ على شعبها وعلى الدول المحيطة فيها او اللي الها علاقات معها..
الصين بنت مستشفى خلال 10 أيام لعلاج هالمرض في مدينة (ووهان).. كلها كانت 10 أيام وصار فيه مستشفى!! والبقية عندك..! الصين قطعت اجازة الجيش والاطباء والممرضين وشرطة المرور.. الاجازة السنوية اللي بستناها كل صيني.. ودفعتهم باعداد كبيرة لكل المدن المصابة للمساهمة في العلاج وحفظ الامن.. روح شوف الصينيين كلهم واقفين مع بعض وبيتحدوا هالمرض.. شوف كمية التبرعات الداخلية اللي بتيجي للحكومة الصينية عشان تساعدها في ووهان المصابة.. صينيين بيدخلوا مراكز الشرطة وبيحطوا مبالغ ضخمة وبيجروا خارجين دون ان ينتظروا من أحد كلمة شكر لتبرعاتهم.. صينيين بيشتروا كمامات وبيوزعوها على الناس بالشوارع ببلاش.. الصين بتقود حرب شرسة بكل ما تحمل الكلمة من معنى للحفاظ على الصحة العالمية..
وهالاجراءات هي بتقودها لحالها دون مساعدة أي دولة أو طلب من أي جهة.. روح شوف مين الو مصلحة انو اقتصاد الصين يتراجع.. وانو الصين ما تصير الدولة الاولى عالمياً في التصدير.. مين بدو النمو الصيني ينخفض.. مين المنافس الأول اقتصادياً للصين؟ ورح تعرف وقتها انك لما تشمت في الصين..فانتا واقف بخندق واحد مع اعداء المسلمين الحقيقيين..
بيكفي سطحية وجهل..سامحوني.. هالجهل والسطحية خسرونا كتير من حلفاء قضايانا العربية بشكل عام وقضية فلسطين بشكل خاص، بيكفي نلحق الاعلام ونصدقه بكل شي بيقولوا.. هالاعلام اللي خلى كل العرب يشاركوا في تدمير سوريا وتهجير شعبها.. هالاعلام اللي كان حاكم دولته يحكي عن سوريا اكتر ما يحكي عن بلدو والآن بعد انتهت مهمته قاطعوه وحاصروه! هالاعلام اللي خلانا نأيد القتل في ليبيا لحد ما صارت دولتين بدل دولة! هالاعلام اللي قاعد بيسوق حالياً لبيع القدس وبقية فلسطين وبيقولك فرصة تاريخية لن تعوض وبيهاجم صمودنا وكفاحنا! اتأكدوا من الاخبار.. اسألوا والحقوا الحقيقة عشان تناموا وانتو مطمنين انو الآراء اللي بتتبنوها هي اراء صحيحة، والله انو قوة سياسة واقتصادية ودولة كبرى مثل الصين تستحق انه احنا نتجه لالها،ع الأقل مؤمنين بعدالة قضيتنا واحسن من الغرب اللي ما شفنا منه إلا ظلم عبر سنوات طويلة…
ختاماً..انا راجع ع الصين.. وبأقرب وقت ممكن.. رح ارجع وأنا سعيد لأني قريب من شعب راقي ودود ما شفت منو الا كل خير.. وسامحونا.
* م. #أحمد_نصار. كاتب وباحث في العلاقات #الصينية #الفلسطينية. حاصل على ماجستير في “الدبلوماسية والعلاقات الدولية”، من جامعة الأقصى بغزة – #فلسطين؛ وعضو ناشط في #الاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين في قطاع #غزة – فلسطين.
*تـحـريــر/ أ. مــروان ســوداح.
*تنسيق ونشر/ عبد القادرخليل.