صحيفة الشعب اليومية أونلاين/
د.فايزة كاب، باحثة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية ـ الدولية
سينعقد الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي عبر تقنية الفيديو اليوم، برئاسة وانغ يي عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ومشاركة وزراء خارجية للدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط. ويهدف الاجتماع إلى دفع الشراكة الاستراتيجية الصينية ـ العربية للأمام وبحث جهود مكافحة كوفيد-19من خلال التضامن وتبادل المساعدات فضلا عن مناقشة القضايا التي تشكل محور اهتمام لكلا الجانبين.
ويعد منتدى التعاون الصيني ـ العربي منذ تأسيسه عام 2004 منصة مهمة لإجراء الحوار وتعزيز التعاون العملي بين الجانبين، ويسهم في بلورة التوافق وتضافر الجهود وتعزيز التعاون المشترك، ودفعهما لإقامة مجتمع صيني ـ عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.
كما ينعقد المنتدى التعاون الصيني ـ العربي هذا العام في ظل متغيرات وتحديات يمر بها الجانبين: ـ
الدبلوماسية الرقمية: سينعقد الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي عبر تقنية الفيديو اليوم، وهي المرة الأولى التي ينعقد فيها المنتدى عن بعد وذلك بسبب تفشي كوفيد -19 عبر العالم، الذي أدى إلى تغيير الوجه التقليدي للأنشطة الدبلوماسية المهمة من خلال وسائل جديدة. مما يمكن للدول الاستمرار في الأنشطة الدبلوماسية والتبادلات الدولية في ظل الحجر الصحي الذي تطبقه الصين والعديد من الدول العربية، وتسهيل الاتصال بين المسؤولين والعمل كشكل مناسب من الدبلوماسية لتعزيز المزيد من التفاعل في العلاقات العربية ـ الصينية. وأمام تشكيل عالم رقمي، سيحمل المستقبل في طياته العديد من التغييرات التي ستطرأ على النموذج التقليدي للاتصالات بين الصين والدول العربية ليصبح أكثر تكيفا مع منطق الثورة الرقمية، وأكثر تكيّفا مع المفاهيم التقنية والمتغيرات الجديدة.
جائحة كوفيد-19 في الصين والدول العربية: “لا يُعرَف الصديق الحميم إلا في المحنة ولا تظهر المشاعر الصادقة إلا في أوقات الضيق”ــ مثل ينطبق على صداقة التضامن المتجذرة التي تجمع الصين والدول العربية منذ العصر القديم بفتح طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري منذ أسرة هان الشرقية وأسرة هان الغربية، ووقوف الصين والدول العربية معا ضد الامبريالية والاستعمار في العصر الحديث. وفي العصر الجديد، لم يحطم كوفيد -19 المنتشر عبر العالم عزيمة الشعوب العربية والشعب الصيني، وإنما أثبت بالدليل القاطع رسوخ هذه العلاقة التي ظهرت جلية في الجهود المشتركة التي بزرت في مكافحة هذه الجائحة، والتعاون المتبادل في منح المساعدات، وأعرب الرؤساء والقادة والشعوب العربية والصينية عن دعمهم الثابت والواضح لبعضهما البعض من أجل مكافحة الجائحة والتغلب على أثارها، كما عارض الجانبان معا تسييس ووصم الوباء.
قضية هونغ كونغ: تُعد هونغ كونغ جزءا من الصين، وشؤون هونغ كونغ هي الشؤون الداخلية للصين ولن تسمح بأي تدخل خارجي. وتعبر الصين تشريع الأمن القومي لهونغ كونغ الاستراتيجية الأساسية لإخراج المنطقة من مأزق الفوضى الذي شهدته منذ العام الماضي وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل. وقد أشارت الصين مرارا وتكرارا على أن ما يسمى بـ “قانون الحكم الذاتي لهونغ كونغ” الذي أقره مجلس الشيوع الأمريكي، هو محاولة لاستخدام “العقوبات” كوسيلة لعرقلة التشريع، مؤكدة أن مستقبل ومصير هونغ كونغ دائمًا في أيدي 1.4 مليار صيني، بمن فيهم مواطنو هونغ كونغ، وإن استخدام “العقوبات” كوسيلة لعرقلة تشريع الأمن القومي لهونغ كونغ أمرا غير مجديا.
قضية شيجيانغ: عانت شينجيانغ في السنوات الأخيرة الماضية بشدة من التطرف والعنف والإرهاب. وقامت حكومة منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم بمكافحة جرائم العنف والتطرف مع معالجة الأسباب الجذرية لها. وكانت النتائج واضحة أمام العالم أجمع، حيث لم تشهد المنطقة حادثا إرهابيا واحدا على مدار الأعوام الثلاثة المنصرمة. وقد تبنى مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في مارس من العام الماضي، قرارا أشاد بجهود الصين في توفير الرعاية للمواطنين المسلمين. لكن في ظل ازدواجية المعايير عند الغرب في محاربة الإرهاب، تستغل أمريكا الحركة الانفصالية «حركة تركستان الشرقية الإسلامية» التي تتخذ من الدين سلاحا، لترفع سلاح “حرية المعتقدات” في تجاه الصين، وتعلن تمرير مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون حول قضايا متعلقة بشينجيانغ أو ما يدعى بـ “مشروع قانون سياسة حقوق الإنسان للويغور لعام 2020″، الذي اعتبرته الصين تشويها متعمدا لوضع حقوق الإنسان في شينجيانغ.
قضية تايوان: لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، والحكومة الصينية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وتايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية … مبدأ متجذر في قلوب الصينيين واساس انشاء وتنمية العلاقات الصينية مع دول العالم. وقد أقامت حتى اليوم 180 دولة في العالم من بينها الدول العربية علاقات دبلوماسية مع الصين، ويقوم عدد متزايد من الدول بتأسيس وتطوير العلاقات مع الصين على هذا الأساس. وتعارض الصين بشدة ما يسمى “قانون تايبيه 2019″، الذي يطالب الحكومة الأمريكية بتعديل العلاقات مع الدولة الأخرى التي تعدل علاقاتها مع تايوان، زيادة أو تقليل العلاقات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية مع تلك الدولة وفقًا لحالات التعديل، كما تعتبره الصين انتهاكا خطيرا لمبدأ “الصين الواحدة” وأحكام البيانات الصينية الأمريكية المشتركة الثلاثة وينتهك بشكل خطير القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية.
قضية بحر الصين الجنوبي: يُعد بحر الصين الجنوبي ثالث أكبر بحر في العالم، ويطل على الصين واندونيسيا وماليزيا وبروناي والفلبين وسنغافورة وتايوان وفيتنام، ويمر عبره نصف حركة التجارة العالمية، وأكثر من نصف ناقلات النفط في العالم. وعليه، فإن قضية بحر الصين الجنوبي تمثل واحدة من أهم العناصر في منظومة المخاطر الاستراتيجية التي تحاول أمريكا أن تحيط بها الصين. وإن الوجود العسكري الأمريكي في هذه المنطقة يشكل تهديدا لحركة التجارة وتضييق الخناق على الصين اقتصاديا وإيجاد بؤرة توتر جديدة في المنطقة. وقد اكدت الصين مرارا وتكرارا أن بحر الصين الجنوبي يهم الصين والدول المجاورة وليس أمريكا البعيدة، وأن سيادة الصين الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية في بحر الصين الجنوبي تتفق مع القانون الدولي، بما يشمل ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولا يمكن أن تتغير بسبب ادعاءات غير مبررة من أي دولة.
يعيش العالم العربي منذ عقود حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي انشئ نتيجة عوامل كثيرة أهمها: ـ
القضية الفلسطينية: القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين فقط وانما باتت قضية منطقة الشرق الأوسط برمته، وأصبح معتادا الإشارة إلى الصراع العربي-الإسرائيلي، بأزمة الشرق الأوسط، حيث تُعتبر القضيةِ الفلسطينية إحدى المفاتيحِ الرئيسيةِ لاستقرارِ المنطقة. وإيمانا من الصين بأن استقرار وتنمية منطقة الشرق الأوسط يبدأ من حل القضية الفلسطينية، فإن الدعم الصيني الكبير للقضية ووقوفها الدائم بجانب الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ثابت ولم يتغير منذ عقود. وقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمر بالفيديو لمجلس الأمن الدولي حول القضية الفلسطينية في يونيو الماضي، أن القضية الفلسطينية لطالما شكلت النواة للوضع في الشرق الاوسط، مشيرا الى أن تجديد الرئيس الصيني شي جين بينغ دعم بلاده الثابتة لتسوية سياسية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على طول حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وحول التوسع الذي تسعى إليه إسرائيل وضم بعض الأراضي الفلسطينية، صرح السفير الصيني لدى فلسطين قوه ويي لوسائل الاعلام العربية مؤخرا، أن الصين ترفض أي مساعي إسرائيل لضم أي جزء من أراضي فلسطين، وتعارض أي اجراءات أحادية الجانب التي تؤدي إلى تفاقم الخلافات وتقويض الثقة، وطالب دول العالم بدعم فلسطين لتبقى القضية الفلسطينية في مقدمة الأجندة الدولية وفي مركزها، وعلى المجتمع الدولي خاصة الدول التي لها تأثير ووزن على فلسطين وإسرائيل التمسك بموقف موضوعي وعادل، ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط بجهود صادقة.
الاضطرابات في المنطقة العربية: تواجه العديد من الدول العربية خلال فترة طويلة تحديات كبيرة في الظروف الاقتصادية ومعدلات التضخم والبطالة والفساد، والخلافات العرقية والطائفية، والفجوة بين النخبة الحاكمة والشعب، والقيود السياسية والأمنية، والتدخل الخارجي الأجنبي في شؤون بعض الدول العربية لفرض نفوذها ومصالحها أو لتوجيه الوضع إلى مسارات سياسية وأمنية محددة أدت إلى حدوث ما سمي بـ”ثورات الربيع العربي” في بعض الدول العربية في أوائل عام 2011. وقد كان تأثير الأخيرة على الشرق الأوسط عميقًا، حتى لو لم تكن نتيجتها النهائية واضحة حتى الآن في بعض الدول، ومواصلة الاضطرابات حتى اليوم في البعض الآخر. وقال ابو الغيط في كلمة أمام الجلسة الافتتاحية للدورة 153 العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري مؤخرا بالقاهرة: “إنني أدعو بعد ما يقرب من العقد من الصراع والاحتراب إلى حلول عربية للمشكلات العربية، وأزعم أننا بإرادتنا الجماعية قادرون على الوصول إلى هذه الحلول”. وحذر ابو الغيط من أن القوى الخارجية لعبت دورا سلبيا فاقم من النزاعات في سوريا واليمن وليبيا وأدى إلى إطالة أمدها وفتح جبهات إضافية فيها. ورأى الأمين العام للجامعة العربية أنه آن الأوان لكي تتوقف أصوات المدافع، مؤكدا أن الخطوة الأولى نحو حلول سياسية هي وقف شامل وفوري لإطلاق النار على كافة الجبهات العربية “المشتعلة”. وقد كان موقف الصين تجاه الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية منذ 2011 واضحة، حيث دعت جهود الحكومات العربية للحفاظ على السلام والاستقرار في بلدانها، على أن تلجأ هذه الجهود إلى وسائل شرعية وسلمية. كما دعت إلى حل الأزمات بالحوار وبالوسائل السلمية وفي إطار جامعة الدول العربية، وترفض بشدة التدخل الغربي في الشؤون العربية، خصوصا إذا كان هذا التدخل ينبئ باستخدام القوة العسكرية. وبذلت الصين ما في وسعها للتوسط بين الأطراف المتنازعة، في الساحة السورية بالتحديد، بغية تحقيق المصالحة بينها وتفادي الصراع العسكري والحرب الأهلية. لكن، الغموض الذي لا يزال يلف الأوضاع الراهنة والآفاق المستقبلية للكثير من القضايا في المنطقة العربية، جعل الموقف الصيني يتخلله شيء من الترقب الحذر، ونوع من المرونة ما يوفّر لها المجال لتعديل سياساتها في المستقبل ومواجهة أية سيناريوات محتملة.
ماضي تضامن متجذر ومستقبل مشترك مشرق: يرسل انعقاد منتدى العربي ـ الصيني هذا العام رسالة للجانبين بشأن تعزيز التوافق الخاص بالتضامن والتعاون والتمسك بالتعددية ودعم بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بالمصالح والشواغل الرئيسية، والتعاون الخاص ببناء مجتمع صيني ـ عربي ذي مصير مشترك في العصر الجديد. ويتعين على الدول العربية والصين أن تحافظا على شراكتهما المربحة وتحققان التنمية المشتركة بالتعاون والكسب المشترك في إطار بناء “الحزام والطريق” والاستراتيجيات المتعددة الخاصة بالدول العربية. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 266.4 مليار دولار عام 2019، بزيادة بنسبة 9% على أساس سنوي. وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة التجارة الصينية، مؤخرا أن حجم الصادرات العربية إلى الصين بلغت 146 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، بزيادة 4.8 % على أساس سنوي. وأن في الفترة نفسها وصلت الصادرات الصينية إلى الدول العربية إلى 120.4 مليار دولار، بزيادة 14.7 % على أساس سنوي. كما أوضحت البيانات أن الاستثمارات المباشرة الصينية في الدول العربية بأكملها بلغت 1.42 مليار دولار أمريكي في عام 2019 بزيادة 18.8 % . وبلغت قيمة عقود المشاريع المتعاقد عليها التي وقعتها الشركات الصينية مع الدول العربية 32.5 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، بانخفاض 8.7 % على أساس سنوي.
لقد حقق التعاون الصيني ـ العربي قفزة نوعية في مجالات متعددة خلال العصر الجديد، لكن لا يزال أمام الجانبين طريق طويل ينبغي ان يسلكاه معا لبناء مجتمع صيني ـ عربي ذي مستقبل مشترك، وذلك بإزالة سوء الفهم عبر الحوار، ورفض ربط الإرهاب بعرق أو دين بعينه، وتعزيز التواصل الشعبي، وتشديد روابط الصداقة والتعاون بين الشعب الصيني والشعوب العربية. كما يجب على الجانبين الدفاع عن تعددية الأطراف والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وبذل جهود مشتركة لإيجاد حل سياسي للقضايا الساخنة في المنطقة واستعادة السلام والأمن إلى الشرق الأوسط. ومواصلة العمل جنبا إلى جنب لتجاوز الصعوبات الناتجة عن كورونا الجديد، وتقديم مساهمة مشتركة في قضية الصحة العامة العالمية.