عن/جريدة الأنباط الأردنية/
بقلم الأكاديمي مروان سوداح*
*كاتب وصحفي أردني.
كان لتصريحات الرئيس الفنزويلي المناضل نيكولاس مادورو، أن بلاده هزمت ترامب قبيل رحيله عن البيت الأبيض مُجللاً بالعار، ردود أفعال كُبرى في العالم، جُلها شماتة بالزعيم الذي لم يَعد زعيماً، والرئيس الذي لم يَعد رئيساً، ولن يعود أبداً.
ترامب فشل فشلاً ذريعاً في الكثير من الملفات التي تأبط بها شراً، فلم يتمكن المخلوع من هزيمة فنزويلا وتقسيمها إلى مزارع هزيلة على شاكلة المزارع الأمريكية “المُستنبتة” في العالم، ولم يصل لشعرة واحدة في رأس مواطن فنزويلي وطني، برغم عَظمَة قواه الحربية، وشأنه السياسي، وآلياته الدبلوماسية، وحملات الدعوة الترامبية لمقاطعة كاراكاس أما إلقاء القبص على مادورو فقد ذهبت أدراج الرياح.
“فنزويلا بقيت وترامب رحلَ”، هذا هو شعار اليوم في كاراكاس والكرة الأرضية، وهذه هي النتيجة الحتمية لرجل كان يعتقد أنه رب الأرباب على سطح البسيطة، وربما كذلك كان يرى في نفسه حاكماً عَرمرماً وبطّاشاً وعظيماً في “درب التبانة” وكواكبها ونجومها المُبعثرة في سماءات كثيرة. يُقال، أن عقله قام على أوهام نصرٍ لم ينَله في غالبية فتوحاته القارية، من كوريا الديمقراطية إلى فنزويلا البوليفارية، ومن الصين الشعبية إلى روسيا الإتحادية وأووربا الشقراء حتى.
من موقعه كمنتصر، دعا نيقولاس مادورو الرئيس جو بايدن إلى “طيّ صفحة سلفه في علاقاته مع فنزويلا”، وهو ما يَعني سياسياً ودبلوماسياً “إقلبوا الصفحة”، رغبةً من كاراكاس المُنتصرة بتطبيع علاقاتها مع واشنطن، وتلبية “العم سام” ضرورات قبول الوقائع الثابتة على الأرض الفنزويلية البوليفارية، فمن شأن ذلك أن يَعم السلام في المنطقة الأمريكية الشاسعة برمتها، وفي قارتيها الشمالية والجنوبية، وإقامة علاقات حسن جوارٍ وتعاون متكافىء ومتساوٍ مع واشنطن، واحترام القانونين الدولي والإنساني في علاقات الدول ببعضما البعض، والتسليم بطبائع أنظمتها وفلسفاتها السياسية ووقف التدخل بقضاياها.
لاحظ كثيرون من عُلماء وأطباء النفس والشخصيات السياسية الخبيرة، أن شخصيه الرئيس السابق تعاني من تخبط وانفصام واضح للعيان. فهي تتقمص عظمَةً مُفتعلة وقوة بطّاشة طائشة. إلا أنه وبرغم ذلك، لم يتمكن من تركيع بيونغيانغ الصغيرة مساحةً لكنها الكبيرة فكراً وتنظيماً وإخلاصاً لزعيمها كيم جونغ وون وترابها وتاريخها.
لم يستطع ترامب أيضاً إخضاع عواصم الدنيا وشعوبها لمشيئته، كصين شي جين بينغ، وروسيا بوتين، وذهبت وعوده التدميرية أدراج الرياح، وفشل بكتابة تاريخ أمريكي مُشرّف، إذ لم تكن أوامره مُطاعة في عشرات عشرات الدول التي تحترم نفسها وتفاخر بسيادتها وتصون تاريخها النضالي من عبثه، بل أن الشعب الأمريكي الشقيق ذاته لم يرضخ لترامب، فاستمر في حملات رفضه برغم توظيف الترامبية روافع صهيونية طاغية وتحالف شرير مع نتنياهو في مشاريعه السياسية طلاءً والاستثمارية فِعلاً.
الشعب الأمريكي سعى للفظ ترامب ونجح بإخراجه من البيت الأمريكي الأول، وهو الزعيم الصهيوني الذي تفوّق بصهيونيته حتى على كل آباء صهيون، بل وعلى مؤسس تنظيم الصهيونية الدولية، هرتزل، سيء الصيت والذكر.
ترامب كزعيم صهيوني، عمل باجتهاد توسعي شيطاني ووظف كل إمكاناته المادية والمعنوية والإعلامية وغيرها، لصهينة الولايات المتحدة وأصدقائها، وتقدمت لمواجهته جحافل جرارة من الأمريكيين للتخلص منه، وهو ما يَعني لفظه من الزمان والمكان، وكنس الصهيونية الترامبية التي صلّبت مواقعه الأمريكية والدولية على مدار سنوات رئاسته القصيرة، وهو الذي لم يترك دولةً ولا شعباً إلا ورفع عقيرته بوجهه وهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكال له ما لم يجروء عليه غيره من كيل، وهاجمه خارج إطار السلوك الدبلوماسي والبشري.
لو بقي ترامب في مكانه لاجتاحت العالم بترتيب صهيوني، جوائح عسكرية وسياسية خطيرة لا نهاية لنفقِها المُظلم. ترامب ركّز “نشاطه” على العالم العربي لالتهام بقايا فلسطين وما يحلو له من بقاع عربية ليقدمها جائزة لحلفائه في تل أبيب، فلم يتمكن، لقد لفظته الإنسانية، وأقصته أمريكا عن كرسي الرئاسة، ولا مَقعد له بعد اليوم سوى أرّيكة في دارته.