الدستور المصرية/
د. كريمة الحفناوي
وسط وصول الإصابات بفيروس كورونا إلى أكثر من ثلاثة ملايين و700 ألف إصابة وأكثر من 255ألف حالة وفاة وذلك فى الخامس من مايو 2020 أى بعد أكثر من خمسة أشهر على بدايات اجتياح الفيروس للبشرية انعقدت قمتان الأولى استضافة الاتحاد الأوربى لقمة حضرها 30 دولة و10 من هيئات الأمم المتحدة ومعاهد البحوث فى أول تحرك موحد منذ تفشى الوباء وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية “إن الأموال التى سيتم توفيرها من هذه الدول والهيئات وهى 8 مليارات دولار ستساعد فى تطوير لقاح ضد الوباء وتمويل البحوث المتعلقة بتشخيص وعلاج المرض وتساعد أيضا هذه الأموال فى بدء تعاون علمى يقوم على الوحدة والتعاون الإنسانى وسيتم تخصيص 4,4 مليار دولار لتطوير اللقاحات، و2 مليار دولار للبحث عن علاج، و1,6 مليار دولار لإجراء الاختبارات”.
القمة الثانية كانت اجتماع دول عدم الانحياز ومنها مصر من أجل التوافق حول قيام الدول الأعضاء فى الحركة بالتعاون على كافة المستويات لمواجهة فيروس كورونا لاسيما من خلال تبادل الخبرات والتعاون بين السلطات الصحية الوطنية فى ظل التداعيات السلبية الناجمة عن الفيروس اقتصاديا واجتماعيا والتى تعوق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفى نفس الوقت يؤكد كل الخبراء الاقتصاديين والمفكرين دخول العالم فى أزمة اقتصادية أكبر من 1929 وذلك بسبب الركود وتوقف النمو من جهة وقلة الطلب من جهة أخرى لعدم وجود دخل لدى المواطنين بسبب إغلاق المصانع والمؤسسات ووقف الطيران والسياحة الذى يؤدى لتشريد عدد كبير من العمالة والتى تصل إلى (وفقا لتقريرمنظمة العمل الدولية) 1,6 مليار عامل فى القطاع الاقتصادى غير الرسمى أى نصف القوةالعاملة فى العالم وأضافت المنظمة أن هذا القطاع يتضرر بشدة بسبب الإغلاق مما تكون من نتيجته عدم وجود دخل أى عدم وجود غذاء ولاأمن ولامستقبل وأن نسب من هم تحت حد الفقر ستزيد على مستوى العالم.
ومع استمرار المحنة تحدث العديد من خبراء التنمية المستدامة (وأويدهم وأضم صوتى لهم) على أنه فى الفترة الحالية والقادمة لابد من تغيير السياسات الاقتصادية وأولويات الإنفاق فلقد بينت محنة فيروس كورونا أهمية اولوية الإنفاق على الرعاية الصحية والبحث العلمى الخاص بالطب والأوبئة والأدوية كما بينت أولوية التوسع فى الإنفاق على البنية الأساسية للإتصالات وشبكة الإنترنت للاعتماد الكبير عليها فى المستقبل فى التعليم وقطاع الخدمات.ولقد كشفت محنة الفيروس وتداعياتة الاقتصادية على أهمية اعتماد الدول على القطاع الإنتاجى فى الزراعة والصناعة حتى يمكن الاكتفاء الذاتى عند توقف النقل والتصدير والاستيراد وأن الأزمة الاقتصادية تشتد اكثر فى الدول التى يقوم اقتصادها على الخدمات والموارد الريعية فقط.
لقد كانت جائحة فيروس كورونا جائحة كاشفة وفاضحة للسياسات الرأسمالية المتوحشة التى زادت من الفجوة الطبقية بين القلة المحتكرة للثروات والقوة والهيمنة وبين أغلبية سكان العالم من الشعوب التى تزداد فقرا ومعاناة يوما بعد يوم مما يقتضى تغيير هذه السياسات والعمل على التوازن فى العلاقات الاقتصادية بين أصحاب العمل والعاملين بمن يضمن المعيشة الكريمة والآمنة للفئات غير القادرة بزيادة الدخل ومزيد من الضمانات الاجتماعية (التامين ضد الشيخوخة والعجز والوفاة والبطالة) والتأمين الصحى وإصابات العمل.
وإذا انتقلنا فى إطار ما سبق إلى دولتنا المصرية نجد أن الحكومة أصدرت عدة قرارات للتخفيف عن المواطنين وعن أصحاب الأعمال فى ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لمحنة فيروس كورونا ولكنها تتضمن حلولا عاجلة على المدى القصير ولذا وجب على مؤسسات الدولة بمشاركة منظمات المجتمع المدنى ورجال المال والأعمال التحرك والتعاون معا لوضع خطط طويلة الأجل لتعبئة الموارد المحلية فى مجال الزراعة والصناعة لتطوير القطاعين والعمل على نموهما للاعتماد على الذات وتوفير السلع الأساسية والتى نستوردها من الخارج (القمح والزيت والذرة والفول). ففى القطاع الزراعى نحن بحاجة لتطبيق الدورة الزراعية لإعادة زراعة المحاصيل الاستراتيجية من القمح والذرة والفولوالأرز، وفى حاجة لعودة الإرشاد الزراعى، وتفعيل دور التعاونيات والجمعيات الزراعية وبنك القرية من أجل توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى من تقاوى جيدة وأسمدة بأسعار مناسبة، والتزام الدولة بأخذ المحصول من الفلاح وبأسعار مجزية ومشجعة وخاصة بالنسبة للقمح الذى نحن فى حاجة إالى توفيره وتخزينة إذا طالت الأزمة أو اشتدت. فمصر لايمكن أن تستمر فى استيراد أكثر من 70% من الغذاء وخاصة أن أسعار هذه السلع الغذائية ستستمر فى الارتفاع فى الفترة القادمة بجانب خطورة نقصها لاتجاه كل بلد للاكتفاء الذاتى فى ظل توقف حركة النقل والطيران.
ويشير دكتور شريف فياض فى مقاله عن “أثر كوفيد 19 على الزراعة المصرية الأليات والحلول”.إلى أن الزراعة أحد أهم قطاعات الإنتاج لنمو الاقتصاد من خلال المساهمة فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى وتوفير الصادرات وتوفير المواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات مع توفير فرص العمل حيث أن ربع القوى العاملة فى مصر تعمل فى الزراعة هذا بجانب مهمة الزراعة الأساسية فى تحقيق الأمن الغذائى.
إن تعبئة وتنمية الموارد المحلية ليست فقط قاصرة على القطاع الزراعى ولكن أيضا قطاعات الصناعة والتجارة والسياحة بجانب تنمية الموارد البشرية والحفاظ عليها بتطوير قطاعى الصحة والتعليم والبحث العلمى وهذا ماسيتم تناوله فى مقالات عدة.