شبكة طريق الحرير الإخبارية/
“ماليزيون: أنا بخير ما دامت الغابة والوطن بخير”
بقلم: يلينا نيدوغينا
حَدّثتني إحدى السيدات قصة عن تخضير “جوهرة آسيا” – ماليزيا، التي زارتها أكثر من مرة. في المُختصر، أنها “البلد – الغابة الكبرى” التي تَكتظ بالجُزر، والغابات، والمياه، والشلالات، والجبال، والوديان، والسهول، والمراعي والجَمَال الأخاذ. الجميع هناك يَغرسون الأشجار والنباتات التي عِطر أزهارها يَفوح لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ الماليزية وطرقاتها وأماكنها العامة أريجاً ولا أطيب، مُضافٌ إليه الشعب الماليزي البسيط والذكي الذي يُرحِّب بالأجنبي بابتسامات عريضة وخدمات سريعة ويحترمه، ويعمل في عملية متصلة لمزيدٍ من تخضير مدن وقرى دولته بقواه الخاصة ودوافع ذاتية، فتحوَّل كل مواطن ماليزي إلى جندي حقيقي يَصون ما تحقَّق من نجاحات، وينشط لإنجاز الجديد بفعالية كبيرة.
صحيح أن ماليزيا لا تعاني من شح المياه، لكن هذا ليس السبب في أنها غدت “الدولة الخضراء” بلا منازع. القضية هنا تكمن في شعب ماليزيا الذي يُحب وطنه واقعاً وعملاً يومياً لا قولاً فقط. وها هو يَحرص على صورة هذا الوطن أمام الغرباء، فطرقات بلاده نظيفة ولامعة، والالتزام بالقوانين مسألة مقدسة عند كل فرد في هذا المجتمع. هناك لا يبصقون لا هنا ولا هناك، وتراهم بسطاء للغاية، وإن سألت أحدهم عن شيء ما، هَبَّ للإجابة ولمساعدتك بكل أريحية مرفقة بابتسامة عريضة تُثير الإعجاب ، وكلمات منها: نعم أيها السيد، هنا يوجد كذا، وإلى هناك تصل أيها السيد على النحو التالي، والخ.
اللافت في العاصمة كوالالمبور ومدن ومناطق ماليزيا بخاصة خلال شهر رمضان المبارك، الانتشار الكثيف للمَحَال المتنقلة التي يمكن لأي شخص كائناً مَن كان، محلياَ أو أجنبياَ، مُسلماَ أو مسيحياَ أو غيره، أن يتناول منها ما يَشاء وما يَشتهيه من أطعمة لذيذة وطازجة، وأشربة رمضانية، دون أن يدفع ولو “رينغيت” ماليزي واحد، وهو ما يدل على الوَحدة الاجتماعية والوطنية الصلبة للشعب الماليزي، وتراصه ومحبته لبلاده لتخليق الجديد الأنفع للبلد، ما يعكس كذلك علو مستوى الحضارة والثقافة الماليزيتين وثباتها في أهلها.
اللافت، تصريح وزير الطاقة والموارد الطبيعية الماليزي، تقي الدين حسن، في الثلاثين من مايو الماضي، أن بلاده “تمكنت من زراعة 33 مليون شجرة “فقط!”، منذ إطلاق حملة غرس 100 مليون شجرة في 5 يونيو 2021. هذه الزراعة تعجز عنها الكثير من الدول، أو أنها تغض الطرف عن ضروراتها، إلا أن الأهم في هذا الفضاء هو اهتمام كل مواطن ماليزي بممارسة ري الأشجار والنباتات في المواقع العامة التي تحوَّلت إلى غابات طبيعية مُصغَّرة، وتلك التي يتم غرسها أمام بيته، وهو يعمل بيديه لتنظيف كل بقعة من حول مسكنه دون انتظار عامل النظافة أو غيره ليقوموا بهذا العمل بدلاً عنه، كما يحدث في بلدان كثيرة!
وفي ذات الشأن، تشتهر في ماليزيا المقولة التالية: “أنا بخير ما دامت الغابة والوطن بخير”. ولهذا نرى أهل ماليزيا يغرسون مزيداً من الأشجار في كل بقعة، أو يُقيِمُون جديدة غيرها. ولهذا، ولأسباب أخرى، لا تفتقر هذه الدولة المتميزة بطبيعتها وشعبها لاستيراد أي نقطة ماء من دولة أخرى، وبالتالي تحوَّلت إلى معجزة العصور، ففيها ترى أشجاراً مُعمِّرة منذ ألوف السنين تختزن في جوف كل منها تاريخ البلد والشعب الماليزي، وتختال بجمالها الآخاذ. هلموا إلى ماليزيا لنتعلم منها الكثير، فالمعرفة وتطبيقها كنز لا يفنى.