الأنباط-الاردنية/
الأكاديمي مروان سوداح
في صِغري كنت غالبًا ما أذهب إلى ساحة “الكلية العلمية الإسلامية” في جبل عمّان، الواقعة حتى اللحظة ما بين الدوارين الأول والثاني، لمُشاهدة صراع بين ملاكمين ومصارعين عرب وأجانب من غرب أوروبا، يتقاتلون بحُنقٍ وشراسةٍ لا مثيل لها، ربما كانت مُستوحاة من غابات أفريقيا والأمازون وأمريكا الجنوبية وأرباب الأعمال الغربيين، الذين عادة ما يُموّلون هذه العمليات البشعة التي تُسمّى رياضات، في محاولاتهم التي لا تنتهي للآن لجذب الجمهور، وتحقيق أرباح خيالية على حساب أرواح الناس وفقراء الأرض ومُعدمي الحياة. مَشَاهِدُ مروّعةٌ كان القلب ينقبض لمشاهدتها، ويتجمد العقل والمشاعر لرؤية دماءٍ مدرارة، تسيل على مدار عدة ساعات من أجساد المتصارعين على أرض ملعب كرة القَدم الواسع الشاسع في هذه الكلية الفخمة، والتي أعتبرها شخصيًا جامعةً حقيقية، فهي الأقدم والأعرق في تخريج قوافل المتعلمين والارتقاء بمكانة العِلم والعُلماء.
على مَدْرَج الكلية الذي كان يُفترض أن تُعرض فيه ألعاب سلمية، لأنه موقع مدرسة تربي الأجيال وتُنتج القادة، كنّا نُشاهد “صراعًا لائقًا وسلميًا” بكرةِ القدم، والجماهير كانت بأعداد ضخمة من الأردنيين الكِبار والصِغار على حد سواء، التي دأبت على التجمّع لمشاهَدة صور الدماء، والانتصار والتصفيق لهذا المُصَارع والملاكم أو لخصمِهِ. كثيرون كانوا متحمسين لرؤية مزيدٍ من الدماء على الحلبةِ، ولا أحد كان يُمعن التفكير في ما نشاهده من وحشية متصارعين يَندى لها جبين الإنسانية. لم تكن هذه الرياضة برياضة أبدًا، بل كانت بطبيعتها القتّالة صراعاً حقيقيًا لإنزال عقوبة الموت من لاعبٍ بحق لاعبٍ آخر، ولتشويه الآخر جسديًا وروحيًا. فاللكمات والضربات الثانوية والقاضية غالبًا ما كانت تشوّه أجسام اللاعبين وتلحق بهم الأذى النفسي أيضًا، وتدفع بمعظم المُشاهِدين إلى الصياح والسعادة والابتسامات.. نؤيد هذا أو ذلك!
تذكرت هذه المَشاهد الوحشية وشهرتها الواسعة والتعلّق الجنوني بها بين الأطفال وشباب جيلي خلال سنوات زمان، حيث كانوا يمارسونها في مختلف المواقع للأسف، وتذكرت أيضًا مَلعب الكلية عندما قرأت مؤخرًا الخبر المحزن والمُزلزل عن موتِ لاعب مصارعة أردني في لقاء صراعٍ دولي. يقول الخبر، إن لاعب المنتخب الأردني للملاكمة عن فئة الشباب، راشد صويصات (19 عامًا)، توفي متأثرًا بإصابة تعرض لها في بطولة العالم للشباب في بولندا. كذلك، قالت اللجنة الأولمبية الأردنية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، إن وفاة الشاب الملاكم صويصات نتجت عن إصابة تعرّض لها أثناء نزاله، الجمعة 16 نيسان 2021، في بطولة العالم التي أقيمت في مدينة “كالسي”.
تابعتُ التصريحات المختلفة التي تتصل بوفاة مواطننا الفقيد، وخرجت باستنتاج، أن بعض الجهات الأجنبية تجهد بترويج ادعاءات بأن وفاة صويصات نتجت عن إصابة سابقة تعرض إليها! وأسباب أخرى! يبدو في محاولة منها للتهرب من المسؤولية عن وفاته. لكن، وكمواطن أردني، أرى بأنه من واجب الأردن الرسمي إجراء التحقيقات الشاملة والكاملة بهذه الفاجعة، للوصول إلى النتيجة الموضوعية، بعيدًا عن التخمينات الأجنبية التي سارع أصحابها بنفي ضمني لمسؤوليتهم عن موت مواطننا الأردني.
وفي ألعاب المصارعة والملاكمة وغيرها من ألعاب العنف والموت والسحل، أرى بأنها لا تتسم بالإنسانية ويجب اجتثاثها من أرضنا، فهي لا تمت بصلةٍ لمعنى الرياضة كمثلٍ رياضي سلمي أعلى، وللحفاظ على هِبة الحياة المقدسة التي تحمي الإنسان وروحه والتلاقي على الخير والسلام بين البشر. وأرى أيضًا، أنه آن الأوان لحظر الملاكمة والمصارعة وأشياعها، والإبقاء عليها في القوات المسلحة والمؤسسات الأخرى التي تتولى حماية الوطن والشعب من كل عدوان ودخيل مُتأبِّط بشِر مستطير.
رحمة الله عليك أيها الشاب راشد صويصات، ونتطلع إلى حَظر رياضات الغاب والموت في الوطن.. لننتهي منها مرة وإلى الأبد.
من المهم جدا هنا الاطلاع على رأي المهتمين من القراء بشأن هذه التي تسمى رياضة تؤدي إلى موت الإنسان وتشويهه.