شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
“كيدروف”، بكنيته هذه ناداه الأردنيون بدون تكليف، فقد كان واحداً منَّا ولنا وما زال للآن. عمل صديقي التاريخي فلاديمير كيدروف لسنوات طويلة مديراً لمكتب وكالة أنباء “نوفوستي” السوفييتية الشهيرة في الأردن (بمنطقة الدوار الخامس)، وكان وما زال مُحبَّاً لجلالة الملك الحسين طيب الله ثراه، ولجلالة الملك عبدالله الثاني والعائلة الهاشمية الكريمة، فقد تخصص بطلنا الروسي هذا في شؤون الأردن وشجونه، إلى جانب كونه صحفياً مرموقاً في بلاده، ومُستشرِقاً دوليَّاً، ومُتخصصاً في شؤون الأردن والبلدان العربية.
مؤخراً قرأت مقالة نشرت باللغة الروسية بقلم صديقي القديم هذا الذي يَعشق الأُردن، فقد اشتغلت أنا في مكتبه وسوياً معه، ورافقته خلال دراستي الجامعية في موسكو، وطوال عملي في الأعلام السوفييتي والروسي في العاصمة الحمراء، إنه الأُستاذ فلاديمير كيدروف الحبيب الذي تحدث في مقالته مُستذكراً الحسين العظيم، وكيف نجا والمملكة معه من قراصنة ودراما خيّمت لفترات على البلاد والعباد. يقول هذا الصحفي الروسي البارز، إن وطننا الأردن “عاش سنوات وسنوات في أخطر اللحظات، وتم تنظيم عشرات محاولات الاغتيال للملك، ولكنه نجا منها بحماية السماء، إلا أن حياته توقفت في وقت مبكر جداً، ففي 7 فبراير 1999، توفي الملك الحسين عن عمر يناهز 64 عامًا فقط، وفي هذه الأيام يستذكر الأردنيون مليكهم العظيم الحسين بن طلال الذي دَرَجَ شعبه على مُناداته محبةً بـِ”ملك القلوب”.
يَستطرد كيدروف الذي سبق والتقى الملك: ذهب الملك الحسين منذ الأيام الأولى من حكمه، مثله مثل أي موظف آخر، إلى مكتبه في قصر بسمان في الصباح، ولم يكن يغادره إلا بعد إنهاء عمله، وهو الذي نادراً ما كان يداوم أقل من 12 ساعة في اليوم. وفي إشارة إلى طبيعة مسيرته المهنية وإخلاصه لها، وصف الملك علاقاته بشعبه قائلاً: كيف يمكنني أن أكون ملكًا جيدًا ومثالياً إذا لم أكن أعرف رعيّتي حق المعرفة”.
ويسترسل كيدروف: للإجابة على هذا السؤال، ورؤية حياة الناس العاديين بأم عينيه، سعى الملك إلى مقابلتهم والتقرّب منهم، خاصة أولئك الذين عاشوا في الصحراء، حيث تقوم التقاليد البدوية العميقة على ثلاثة مبادئ: الشرف والشجاعة وكرم الضيافة، وقد أدرك الملك الحسين بأن البدو ليسوا سوى جزء كريم من الشعب الأردني الذي بادله المحبة بمثلها، وأراد أن يعرف ما “يتنفسه” رعاياه في المدن والقرى، وبماذا يُفكِّرون وعن الحكومة أيضاً. للقيام بذلك كان زعيم الدولة يرتدي عادة زي سائق تاكسي، ويتوجه إلى شوارع عمَّان في المساء، في سيارة فورد قديمة، وكشف الملك في وقت لاحق: “هذا العمل الليلي فتح عيني على أشياء كثيرة، إذ يتحدث الركاب والسائق عن كل شيء وكأنه لا يقود السيارة”.
ذات مرة، سأل الملك، وهو يريد التحدث إلى مُسافرٍ بدوي في التاكسي: هل الحصاد جيد هذا العام؟
– بفضل الله والملك الحصاد جميل.
– ما رأيك في الملك؟ كثيراً ما أسمع أشياء مختلفة جداً عنه. أي نوع من الأشخاص هو؟ هل الملك صالح؟
– بعد الله هو مُرشدنا ومُعلمنا العظيم. إنه يحمينا، ويقدِّم لنا كل مساعدة نحتاجها. نحن نحبه كثيراً.
ـ “أنا لست متأكداً على الإطلاق مِمَّا تقوله”. شَجَّع الملك الركاب على الحديث.
ـ غضب البدوي وصرخ وعيناه تلمعان:
ـ إذا تجرأت على تكرار هذا مرة أخرى، فسوف أضربك!
قام الملك بهذه الرحلات عدة مرات، ليعود في الصباح إلى مقر إقامته، وأعطى الحراس كل الأموال التي كسبها كسائق سيارة.
يزيد كيدروف: كان الملك الحسين حاكماً شرقياً حقيقياً، تلقى تعليمه في بريطانيا، شجاعاً للغاية، ودمه بارد في لحظات الخطر، فهو لم يكن يتسرَّع في اتخاذ القرارات، وكان أيضاً سوبرمان: حَلَّق بالطائرات خلال حياته لأكثر من ألف ساعة، وأتقن قيادة جميع أنواع الطائرات والمروحيات التي كانت في الخدمة مع القوات الجوية الأردنية، وكذلك طائرات الركاب، بما في ذلك بوينغ 747. لقد أطلق النار بشكل ممتاز، وكان يسبح بشكل حِرفي أيضاً، وقاد السيارات واليخوت بشكل رائع، وكان مغرمًا بهندسة الراديو، والغوص، والتصوير، والتنس، والمياه والتزلج على الجبال. كان الصيد شغفًا آخر عنده.
يَختم كيدروف ذكرياته عن جلالة الملك المرحوم والتي نشرها في وسائل الإعلام الروسية بقوله: يُشار إلى أن ملك الأردن أطلق على أحد كتبه عنوان “مهنتي كملك”. ولهذا الأمر كان لديه كل الأسباب: ففي الواقع، لم يحتفظ أي من القادة العرب بزمام السلطة لفترة طويلة. كان جنديًا وسياسيًا ورجلًا متواضعاً بصورة مذهلة، وكان يرتدي قميصاً كاكيَّاً بسهولة، وكان ملكاً لجميع الأذواق. رجل كان على مدى نصف قرن تقريبًا تجسيدًا لبلده وشعبه، الملك الحقيقي، التواصل معه جعل كل شخص مناصِراً للمَلكيَّة.