وتسعى الجزائر من خلال إجراءات متتابعة, إلى تعزيز مكانة العامل باعتباره “القيمة الحقيقية لأي مسار تنموي أو مشروع نهضوي”, مثلما ما فتئ يؤكده رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, بتشديده, وفي كل مرة, على أن “الدولة ستعمل بصرامة على أن تعيد للعمل قيمته الحقيقية وعلى تعزيز مكانة العمال, خاصة الطبقة المتوسطة والطبقة الهشة”, إيمانا منه بأن العمال هم “المحرك الرئيسي للازدهار الوطني”.
وتعتمد الدولة في رفعها لهذا الرهان ذي الطابع الاجتماعي و الاقتصادي, على تنفيذ “مقاربة تدريجية تراعي تداعيات وانعكاسات الأزمة الاقتصادية والصحية التي تمر بها البلاد و العالم عموما”, مع الحرص على “مواصلة الحوار مع الشركاء الاجتماعيين”.
وكانت أولى الخطوات التي تم تبنيها في هذا الاتجاه, رفع سقف الأجر الوطني الأدنى المضمون –الذي لم يعرف زيادة منذ ما يربو عن التسع سنوات– إلى 20.000 دج ابتداء من 1 يونيو 2020, و هو القرار الذي تم اتخاذه “رغم الصعوبات المالية وانخفاض سعر البترول وآثار جائحة كورونا”.
وأرفق هذا الإجراء بإلغاء الضريبة على الدخل المحدود الذي استفاد منه أصحاب الأجور الأقل من 30 ألف دج والذين قارب عددهم الـ 5ر6 مليون عامل و موظف, و هو القرار الذي جاء تجسيدا لأحد الالتزامات التي كان قد تعهد بها الرئيس تبون أثناء ترشحه لرئاسيات 2019.
ولجعل هذه الزيادة في الأجور ملموسة بشكل أكبر, تم اللجوء, في خطوة إضافية, إلى مراجعة الشبكة الاستدلالية لقطاع الوظيف العمومي, تم تطبيقها منذ الفاتح من مارس المنصرم, بحيث لم تقتصر فقط على الراتب الرئيسي, بل امتدت لتشمل العلاوات والتعويضات الشهرية و غير الشهرية.
وفي إجراء آخر أعلن عنه رئيس الجمهورية الجزائرية، السيد عبد المجيد تبون قبل أيام, ستكون هناك زيادة في الأجور سيتم تحديدها بناء على التقديرات النهائية للمداخيل الوطنية المحققة مع نهاية 2022, على أن تدخل حيز التنفيذ مع مطلع العام المقبل.
وتمتد هذه الجهود المبذولة لصالح العمال عبر مسارهم المهني ككل, لتشمل فئة المتقاعدين, الذين استفادوا من رفع منحهم بعنوان سنتي 2021 و 2022, ويتعلق الأمر بزيادة تتراوح بين 2 و 10 بالمائة حسب قيمة المنح.
وفي سياق متصل, و نزولا عند انشغال لطالما عبر عنه المستفيدون من عقود ما قبل التشغيل المطالبين بتسوية وضعيتهم العالقة منذ سنوات, أمر الرئيس تبون بإعداد بطاقية نهائية تحصي عددهم, تحضيرا لإدماجهم النهائي في مناصبهم, مع إسداء تعليماته بإدماج كل عقود ما قبل التشغيل في قطاع التربية الوطنية قبل نهاية مايو 2022.
تسهيل خلق مؤسسات ناشئة والتشجيع على المقاولاتية…إلتفاتة أخرى نحو الفئة الشغيلة
تعزيزا لكل الإجراءات السابقة التي تصب في خانة الارتقاء بالعامل و فتح آفاق جديدة أمامه, تقرر فتح باب المقاولاتية على مصراعيه أمام العمال الأجراء الراغبين في خوض هذا المجال, من خلال إدراج حق جديد لصالحهم, يتيح لهم الاستفادة من عطلة مدتها سنة كاملة من أجل إنشاء مؤسسة.
فتجسيدا للالتزام رقم 44 الذي كان قد تعهد به رئيس الجمهورية, يضمن المشروع التمهيدي للقانون المتمم لقانون علاقات العمل الذي كان قد عرض على الحكومة شهر مارس الماضي, “حق رجوع المعنيين إلى مناصب عملهم الأصلية, في حالة عدم تجسيد مشاريعهم في إنشاء مؤسسة”, الأمر الذي من شأنه “تعزيز روح المقاولاتية لدى العامل الأجير والمساهمة في ترقية الاقتصاد”.
وفي سياق ذي صلة, تم إصدار العديد من النصوص التنظيمية و التطبيقية التي سمحت بتحقيق ارتفاع ملحوظ في عدد المؤسسات الناشئة التي تحصلت على علامة التصنيف و تحفيزات ضريبية، و التي بلغت “أكثر من 750 مؤسسة ناشئة خلال السنة والنصف الأخيرة”، و هو الرقم الذي تتطلع الحكومة إلى مضاعفته خلال الفترة المقبلة.
ولهذه الغاية, تم التركيز على تبسيط وتسهيل إجراءات إنشاء المؤسسات الناشئة, من أجل رفع العراقيل البيروقراطية التي قد تقف حجر عثرة في وجه المستثمرين المبتدئين.
تكريس الحق النقابي, دستوريا, كأحد ركائز الديمقراطية
تعتبر الجزائر الحق النقابي ”ركيزة من ركائز الديمقراطية”, و هو المفهوم الذي تم تكريسه دستوريا, حيث عرفت و إلى غاية اليوم, تأسيس 158 منظمة نقابية من بينها 99 منظمة نقابية عمالية و59 منظمة نقابية لأرباب العمل, تغطي كافة القطاعات.
وتجدد السلطات العمومية, في كل مرة, حرصها على مواصلة الحوار مع الشركاء الاجتماعيين “من أجل تدعيم السلم الاجتماعي”, مع تأكيدها على أن مسار التغيير الذي تمت مباشرته من أجل بناء الجزائر الجديدة, “يقتضي تغليب لغة العقل واستحضار قيم التضامن والتكافل التي دأب عليها الشعب الجزائري من أجل تجاوز الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في كنف الحوار المسؤول الذي يكفل معالجة متوازنة وواقعية لكل الانشغالات المعبر عنها”.
وكان الرئيس تبون قد وجه نداء للنقابات العمالية من أجل “العمل سويا لبناء الجزائر بعيدا عن كل أشكال التفرقة”, ليدعو, في هذا الإطار, إلى “الشروع في فتح النقاش الواسع حول مقترحات كيفية ممارسة الحق النقابي, وفقا لمضامين الدستور والقوانين السارية للجمهورية والقوانين الدولية”.
ومن أجل تكييف الممارسة النقابية مع مستجدات عالم الشغل, على المستويين الوطني و الدولي, تعكف الوزارة الوصية على إعداد مشروع القانون الإطار المتعلق بالعمل النقابي “سيضع نظاما جديدا بتغييرات جذرية” في هذا المجال, مقارنة مع مضمون القانون ساري المفعول الذي يعود إلى 30 سنة.