*صحيفة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
مَن درس ومَحّصَ في صفقة شياطين القرن، التي وقّعها الثنائي نتنياهو وترامب، يَصل إلى استنتاج خطير هو، أنها (وعد بلفور-2)، بهدف تصفية كل المُقرّرات التاريخية والأُممية وأدوار اللاعبين الدوليين في فلسطين والمنطقة العربية، وبخاصة الاتحاد الأُوروبي، روسيا والصين، ومنظمات منها، بريكس وشنغهاي ودول عدم الانحياز، ولتكبيل منطقتنا وفلسطين بقيود ترامب والحركة الصهيونية، وفرض رؤية أُحادية الجانب لحل الصراعات فيها.
تنُص صفقة الشياطين جهاراً نهاراً على خنق فلسطين والمنطقة العربية وتكريس احتىلالها تدرُّجِياً، ومِن ثم حصرها في إطار مُحكم الإغلاق لنظامين سياسيين مندمجين بُنيوياً وجوهرياً ويُشكِلان جسداً واحداً، هما الولايات المتحدة والدويلة الصهيونية -التي تُعتبر، واقعياً، الولاية «الأكثر دلالاً» ضمن الولايات المتحدة-، وبالتالي، ربط مصير شعوب المنطقة بمخطّطات واشنطن وتل أبيب فقط، بعيداً عن أي وساطات وأدوار دول أخرى، وللتمهيد إلى مزيدٍ من التوسّع الأُفقي والعمودي الجيوسياسي والاقتصادي والعسكري والنفسي والإعلامي لهما في العالم العربي وجنوب المتوسط، الذي يَشهد حالياً صراعات حادة وصامتة بين عشرات البلدان على حقول النفط والغاز وامداداته إلى القارة العجوز.
وبرغم أن الاتحاد الأُوروبي يَتبّنى مواقف ناقدة للصفقة (الأمريصهيونية) المُفتقِدة للمنطق، إلا أنه لا يُقر أي تحرّك حاسم وفعلي على الأرض في مواجهتها، ويكتفي بتوجيه نقد ناعم للصفقة، ويُلوّح «باحتمال» اعترافه بالدولة الفلسطينية(!) المعتَرف بها أصلاً، وكأن لسانه يقول، لربما تتغير الأوضاع السياسية في أمريكا و(إسرائيل)، فيتم دفن «الصفقة» قبل اتخاذه أي قرارٍ حاسم قد يضع العواصم الغربية الصديقة والحَليفة تاريخياً وعسكرياً وأمنياً للكيان الغاصب، في موقف مُحرج قد تندم عليه أوروبا مستقبلاً!
لنُنعِش ذاكرتنا: عندما استولت العصابات الصهيونية المدعومة دولياً على «الجَليل والمُثلث»، لم نرَ أي رد أوروبي حاسم لاحتلال تلك المنطقة، التي أُقر أُممياً ضمّها للدولة الفلسطينية، ضِمن القرار الدولي181 لعام1947، فتم تهويدها، و(لطَشَت) الصهيونية غيرها من المناطق الفلسطينية، وتناست أوروبا والعالم «الجليل والمُثلث»، كما كاد يَنسى الباقورة والغمرالأُردنية لولا ثبات جلالة الملك عبدالله الثاني على أرضيّة المطالبة بها واستعادتها وتطهيرها من براثن الصهيونية، التي تُسرّع الآن عمليات الضم لمناطق غور الأُردن وشمال البحر الميت والضفة الغربية، أمام سمع وبصر شعوب وحكومات وقادة أوروبا (العالم المُتمدن!)، الذين لا ينتصرون للمُقررات الأُممية سوى بالتصريحات اللفظية!
كل ما أخشاه هو، أن نستكين دهراً آخر إلى تصريحات مَعسولة تداعب عواطفنا، على شاكلة تصريحات المُمثِّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، الذي نوّه إلى «التزام (الاتحاد) «بحل الدولتين عن طريق المفاوضات»، وعلى «أساس حدود عام 1967» (دون حدود1947!)، و»بالشّراكة عبر الأطلسي»، «للمساعدة في إيجاد حلٍ سلمي «للنزاع!» الإسرائيلي الفلسطيني»، والذي لم تُفعّل أوروبا الغربية قِواها صَوبه خلال الـ72 عاماً المنصرمة!