تُشكّل الصين اليوم المارد الاقتصادي الذي يُرعب الولايات المتحدة الأمريكية، ويُنازِلها في المسابقة العالمية على المكانة الاقتصادية والسياسية الأولى، وتسعى الحكومة الأمريكية لاستخدام كل الوسائل القذرة في حربها ضد الصين، ومن ضمنها تأليب “الأقليات” العرقية، في محاولة لخلق توترات داخلية تهدّد وحدة الصين ومكانتها الدولية . لقد نجحت الولايات الأمريكية في زعزعة الأوضاع الداخلية للعديد من الدول، مُستغلة التناحر الديني والطائفي، وإثارة نزعات قومية، وحقّقت انجازات ملموسة في تفكيك وحدة بعض الدول حكومات وأنظمة وشعوب، الأمر الذي سهّل عليها إحكام قبضتها العدوانية عليها بما يخدم مصالحها الامبريالية وسطوة رأس المال، وسحق الشعوب ومقدراتها وتشويه قيمها الثقافية، وحرف مسارات التنمية فيها بما يُحقّق تلك الأهداف الخبيثة. ولعل في الأحداث التي شهدتها منطقتنا العربية خير دليل على ذلك .
وفي هذا السياق تشتد الهجمة على جمهورية الصين الشعبية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتتصاعد حدتها خاصة كلما حققت الصين نجاحات اقتصادية وحضارية كبرى.. وهي بذلك تستغل أوضاع القوميات في الصين، وفي مقدمتها الويغور، الذين يُشكّلون واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية. بشكل عام يتركزون في منطقة “شينجيانغ” الذاتية الحُكم، وتقع في شمال غربي الصين، وتبلغ مساحتها مليوناً وستمائة وستين ألف كيلومتر مربع، وتُعتبر أكبر منطقة مساحة على مستوى المقاطعة في الصين، مُحتّلة سُدس إجمالي مساحة البلاد الصينية، ويبلغ عدد سكانها من مختلف القوميات تسعة عشر مليوناً ومائتين وخمسين ألف نسمة، حاضرتها أورومتشي، ويُطلق عليها ألقاب منها “بلد الغناء والرقص”، و”بلد الفواكه”، و”بلد الذهب واليشم”، ويدين الويغور بالإسلام، وتشتهر شينجيانغ بالسياحة، ففي الأشهر العشرة الأولى من ديسمبر العام الجاري، استقبلت شينجيانغ أكثر من 200 مليون سائح، أي نحو ضعف العدد المحقق العام الماضي! تشارك قومية الايغور في إدارة الحُكم إقليمياً ومركزياً وفقاً للقوانين وآليات الحكم في جمهورية الصين الشعبية، وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة، لإثارة نزعات انفصالية فيها، من خلال تدخلها في الوضع الداخلي الصيني، ومحاولة خلق نزعات التشدّد الديني لدى بعض الجهات هناك.
ويمكن القول ومن خلال زيارتي ووفد للصين وبخاصة لمقاطعة شينجيانغ التي يقطنها الويغوريين، أننا التقينا بهم، وبأكبر مشايخ المسلمين هناك، وقد شرحوا لنا مطولاً عن أوضاعهم، واصطحبونا في جولة لعدة مساجد، أكدوا خلالها على حريتهم الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية، وعلى احترام الحكومة الصينية لمعتقداتهم ولثقافتهم، ومراعاتها واهتمامها بمصالحهم واحتياجاتهم، وكيف يُشاركون في الحُكم وادارة شئون مقاطعتهم، وعلاقة ذلك بالمركز . لكنهم ايضاً أشاروا إلى أن النزعات الانفصالية لا تمثلهم، وبأنهم ضد تسيس الدين، مُعتبرين ذلك ليس من الدين ولا يخدم قيمه ومكانته، وبأن مثل هذه النزعات تخدم أهداف وسياسات خارجية، هدفها المس بالصين دولةً وشعباً بمختلف تنوعاته.
لذا يجب الحذر من الانخداع بما يروج له الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا ان لا ننساق وراء خطاب عاطفي الهدف منه التحريض ضد الصين، وحقيقة الأمر ان هناك ما هو أعمق وأخطر . أخيرا أقول جازماً، وبناء على مشاهداتي الحية.. ان الصين تحترم مختلف الأديان والقوميات الصغيرة العدد المتساوية في الحقوق والواجبات أمام القوانين والدستور، وفي مقدمتهم المسلمين، لكن سيف الدولة قاطع تجاه أي حركات إنفصالية تسعى لتسيس الدين لأجل مصالح تخدم أعداء الصين، وهو التصرف الذي تتبعه بدون استثناء كل الدول التي تحافظ على سيادتها واستقلالها .
*عضو في المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، وصديق للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.