13 ابريل 2020/ صحيفة الشعب اليومية أونلاين/
وافت المنية صباح اليوم 13 ابريل 2020، المستعرب الصيني المشهور صاعد تشونغ جيكون ببكين، عن عمر ناهز 82 عاما. وقد عاش تشونغ جيكون حياة حافلة بالاسهامات والانجازات في مجال الدراسات العربية والترجمة. وحصل في عام 2018 على جائزة انجاز العمر للترجمة والثقافة، التي تمثل أعلى وسام في الترجمة يمنح في الصين. وقد عكف الراحل خلال حياته على تدريس اللغة العربية وادابها والترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، وكان له اسهاما جليلا في تعميق التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.
ولد تشونغ جيكون في عام 1938، بمدينة داليان من مقاطعة لياونينغ. وفي عام 1961 تخرج في قسم اللغات الشرقية بجامعة بكين، ومكث في نفس الجامعة لتدريس اللغة العربية. وقد تتلمذ تشونغ على يد الاستاذ ماجيان (محمد ماكين)، واضع أسس تدريس اللغة العربية في الصين. وهو استاذ جامعي في اللغة العربية بجامعة بكين ومشرفا على طلبة الدكتوراه. كما سبق له أن ترأس الجمعية الصينية لدراسات الأدب العربي، وشغل منصب نائب رئيس اللجنة الثقافية لجمعية الصداقة الصينية العربية وحصل على عضوية الشرف في اتحاد الكتاب العرب.
ومن أشهر مؤلفاته :”تاريخ الادب العربي المعاصر”، “ألف ليلة وليلة الاولى”، “تاريخ الادب الشرقي”(مشارك)، وغيرها. أما في مجال الترجمة، فمن بين أهم اعماله: “المعلقات السبع”، “كلمات في صدري” لاحسان عبد القدوس، “الصحراء جنتي” لسعيد صلاح، “مختارات من نثر جبران”، “دمعة وابتسامة” لجبران خليل جبران، “مختارات قصصية لاحسان عبد القدوس”، “مختارات من الشعر العربي القديم”، “في البدء كانت الانثى” لسعاد الصباح، “الف ليلة وليلة”، “مختارات قصصية لميخائيل نعيمة”، الخ.
حصل كتابه “تاريخ الادب العربي المعاصر” في عام 2006 على الجائزة الاولى للانجاز في العلوم الانسانية، وفي عام 2005 حصل على الوسام الاعلى لوزارة التعليم العالي المصرية. وفي عام 2011، كان أول أكاديمي صيني يحصل على “جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة”. كما فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب لشحصية العام الثقافية في نفس العام . وفي عام 2018، حصل على جائزة انجاز العمر للترجمة والثقافة، وهي الوسام الاعلى في مجال الترجمة في الصين.
اثناء حفل تسلمه النسخة الرابعة من “جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة”، قال تشونغ جي كون: “هذه الجائزة ليست لي وحدي، وانما تكريما لجميع الاكاديميين الصينيين الذين عملوا طويلا في مجال الترجمة العربية، وهذه الجائزة ستقدم المزيد من التشجيع والتحفيز للمترجمين الصينيين في المستقبل.”
تقرير خاص: المستعرب الصيني تشونغ جي كون… غواص في بحر الأدب العربي.
“لو أتيح لي عمر آخر، فسوف أكرس حياتي مرة أخرى لأعمال بحوث وترجمة روائع الأدب العربي، بل وتدريسها للصينيين”، هكذا تحدث الأستاذ تشونغ جي كون (واسمه العربي صاعد) الرئيس الشرفي لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين بنبرة تنمّ عن مشاعر صادقة.
يعد الأستاذ تشونغ بمثابة أيقونة بين الأكاديميين الصينيين المتخصصين في بحوث وترجمة الأعمال الأدبية العربية، ويذيع صيته بين المثقفين العرب وعشاق الأدب الصينيين حيث نال ألقابا وجوائز عدة في الصين والعالم العربي تقديرا وتكريما له على أعماله البحثية العميقة وترجماته الرائعة.
التحق تشونغ بجامعة بكين، أعرق وأشهر الجامعات في الصين، عام 1956 لدراسة اللغة العربية. وعندما عاد بالزمن إلى الوراء ليتذكر سبب اختياره العربية كتخصص دراسي في الجامعة، قال إن ذلك يرجع إلى إعجابه منذ صغره إعجابا شديدا بروايات ((ألف ليلة وليلة)) وكذلك عقده العزم على التضامن مع العرب طوال حياته بعدما شجعه على ذلك نجاح أبناء الشعب المصري في تأميم قناة السويس وكفاحهم ضدّ “العدوان الثلاثي “.
واستفاد تشونغ كثيرا من أساتذته المسلمين الذين كانوا من خريجي الجامعة الأزهرية في ثلاثينات القرن الماضي واعتبروا روّادا في تدريس اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الصينية، إذ أدخلوا هذا التدريس من الجامع الي الجامعة منذ عام 1946. و”كان هؤلاء الأزهريون يأخذون بعين الاعتبار جانبي النطق والنحو بل ويجيدونهما، وبالتالي ساهموا في إرساء أساس وطيد في المستوى المرتفع نسبيا لتعليم العربية بالصين”، على حد قوله.
ونظرا لكونه أبرز الطلاب في ذلك العهد، فقد تم ترشيحه للانضمام إلى هيئة التدريس بقسم اللغة والثقافة العربية فور تخرجه في جامعة بكين عام 1961. وفي نفس العام ترجم قصّة للكاتبة السورية الشهيرة ألفة إدليبي بعنوان ((ماتت قريرة العين)) حول نضال الشعب الجزائري ضد المستعمرين الفرنسيين وقد نشرت في مجلة ((الآداب العالمية)).
ولكن بسبب الأوضاع السياسية التي صاحبها خفوت لصوت المثقفين قبل بدء مسيرة الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينات القرن الماضي، لم يجرؤ الأستاذ الصيني خلال تلك الحقبة على إطلاق العنان لموهبته الأدبية علنا، لذا أخذ يقرأ كل ما يقع في متناول يديه من الكتب الأدبية العربية خلسة.
وفي عام 1978حصل الأستاذ الصيني على فرصة لاستكمال دراسته في كلية الآداب بجامعة القاهرة كباحث زائر. وخلال مكوثه في مصر، أنتهي من ترجمة رواية ((في بيتنا رجل)) للكاتب المصري إحسان عبد القدوس ومختار القصص القصيرة للكاتب اللبناني ميخائيل نعيمة.
وآنذاك، زار في وقت فراغه عددا من الكتاب المصريين المشهورين وأنشأ صداقة شخصية معهم، من بينهم علم الأدب المصري نجيب محفوظ، الذي يعلق تشونغ عليه قائلا “أرى شخصيا أن لا أديب في العالم يضاهيه من حيث الأفكار الفلسفية وأبعاد المحتويات العميقة وأساليب الإبداع الفني التي تعكسها أعمال الأديب الكبير”.
وبعد عودته من مصر في عام 1980، بدأت قمة التألق الأكاديمي للأستاذ تشونغ. فتحول من تدريس اللغة إلى بحوث وتعليم الأدب العربي. ويقول “إنني كنت أحاول أن أقرأ كل ما يتعلق بالأدب العربي من الكتب المحفوظة في مكتبة جامعة بكين ومكتبة العاصمة لجمع المعلومات البحثية والتعليمية بشكل منتظم، كما اخترت من روائعها لتقديمها إلى القراء الصينيين”، بما في ذلك ((دمعة وابتسامة)) لجبران خليل جبران و((ألف ليلة وليلة)) و((مختارات الروايات القصيرة في مصر الحديثة)) إلخ.
ومن أبرز ترجماته ((مختارات الشعر العربي القديم)) الذي ضم 431 قصيدة أو قطعة شعرية لـ134شاعرا عربيا. ولاقت الترجمة إعجابا كبيرا وتقديرا عاليا في الأوساط الأكاديمية الصينية التي علقت عليها قائلة إنها “تعكس ملحمة كاملة للشعر العربي القديم ويمكننا من خلالها أن نستشعر جاذبية المجتمع العربي ونطلع على العالم الروحاني للعرب وظواهر مجتمعهم على مجرى التاريخ.”
وطوال حياته التعليمية والترجمية، ظل ينكبّ على بحوث الأدب العربي. ومنذ بداية القرن الجديد نشرت على التوالي ثلاث مؤلفات أكاديمية له وهي ((تاريخ الأدب العربي الحديث )) (2004) و((تاريخ الأدب العربي الكامل)) (مجلدين، 2010) و((تاريخ الأدب العربي القديم)) (مجلدين،2015). وحصل نتاج هذا الجهد على جائزتي الأعمال البحثية الممتازة للجامعات والمعاهد الصينية من الدرجتين الأولى والثانية.
وعلاوة على ضخامة حجم مؤلفاته الثلاثة الأكاديمية ، فإن كتاب ((تاريخ الأدب العربي الكامل)) الذي يحتوي على مليون مقطع صيني، يتسم بشمولية المضامين من حيث البعدان الزماني والمكاني، إذ يتناول الفترة الممتدة من عهد الجاهلية وحتى مطلع القرن الـ21 فيما يعرف القراء بكبار الأدباء وأعمالهم الرئيسية في كل دولة عربية. وبالتالي يعتبر الكتاب الأول من نوعه في الصين وحتى العالم.
كما لم يدخر الأستاذ الكبير جهدا في تشجيع التبادلات الثقافية الصينية- العربية حيث وصف الحضارة الصينية والحضارة العربية الإسلامية بـ”منارتين تضيئان العالم في القرون الوسطى”، مشيرا إلى أن “مؤثرات الثقافة والحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى قد أيقظت أوروبا ومهّدت لها سبيل نهضتها الحديثة. فلولاها لما كانت نهضة أوروبا الحديثة”.
وأعرب الأستاذ الصيني عن حبه العميق واحترامه الفائق لمن قاموا بإنشاء الحضارة العربية الإسلامية ، قائلا إن “الشعب العربي مجتهد وشجاع ومحب للسلام شأنه شأن الشعب الصيني. وأوجه التماثل بين الشعبين أكثر من أوجه التباين. لذا لابد لنا من التعلم والاستفادة من بعضنا البعض لتوسيع التعاون ذي المنفعة المتبادلة على الدوام.”
وبفضل أعماله المتميزة في بحوث الأدب العربي وترجمة روائعه، مُنح الأستاذ الصيني، البالغ من العمر 77 عاما، جائزة استثنائية من قبل وزارة التعليم العالي المصرية في عام 2005، كما نال جائزة الشيخ زايد للكتاب (شخصية العام الثقافية)وجائزة خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة لعام 2011 (أحد المكرمين) ليصبح أول صيني يحصل على هاتين الجائزتين الكبيرتين.
وأمام هذه التكريمات التي تعد شرفا كبيرا بالنسبة لأي أكاديمي وخاصة أكاديمي غير ناطق بالعربية، قال الأستاذ تشونغ بتواضع جم إن “الأدب العربي بحر خضمّ يتعذر كشف مدى عمقه. فما تعلمته وما أجريته من بحوث لا يشكل سوى قطرة من مياهه”.
http://arabic.people.com.cn/n3/2016/0122/c31660-9008107.html