صحيفة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
الأنباء التي ترد من فنزويلا تبشّر بهدوء واستقرار الأوضاع فيها، برغم أن خصوم الدولة البوليفارية ما زالوا يراهنون؛ ضمن «مبدأ مونرو» القاضي بِـ»هزيمة العدو من دون أي اشتباك»؛ على إمكانية الإطاحة بالنظام البوليفاري بقوى انقلابية داخلية برغم اعترافها بوهنِها وفقدانها لمواقعها المفتاحية، وانفكاك الشعب عنها، وتراجع زخم الدعم الخارجي الذي سبق وتمتّعت به قبل تكشّف حقائق مذهلة للفنزويليين والعالم أجمع فَضحت ارتباطاتها البُنيوية بالمراكز التمويلية و.. «التنظيمية» و.. «المرجعيات» الخارجية!.
الوضع الداخلي في فنزويلا عاد إلى هدوئه الذي اتّسم به خلال العهد الذهبي لشهيد فنزويلا وفلسطين المُحتلة، هوغو تشافيز، إلا أن القوى الخارجية ترفض التسليم بهذه الحقيقة الساطعة كونها مُزعجة لها. ففنزويلا دولة إستراتيجية بامتياز جغرافياً وسياسياً، وهي مفتاح قارّتها إلى أمريكا الشمالية، ومُطلّة على جزيرة الحرية – كوبا، وترى فيها شعوب أمريكا اللاتينية الأمل والقدرة لإحراز نقلات جذرية تبُّدل الأوضاع في القارة وتُسهِّل عملية إدخالها في أجواء لاهوت تحرير جديد، وسبيل المُحرّر سيمون بوليفار.
نقرأ للباحث والمؤرخ الفنزويلي الشهير، (الديمارو باريوس)، بعض الأسرار عَما يُسمّيه «عنف القوى العالمية» في «جوهر المسألة الفنزويلية»، تُشَرِّح حقبة صعبة مُنتهية اتّسمت بهجمات من القوات التخريبية الخاضعة للكهلِ المُتهالك «العم سام»، إذ تم فيها صناعة تكتّل لعَملانيات خارجية «تنفي حق الفنزويليين في العيش بسلام وتنمية قدراتهم الإنتاجية المستقلة كدولة قومية». ويُضيف باريوس: «تشي السلوكيات الجديدة لمراكز القوى العالمية فيما يُسمَّى «العولمة» والتي تتمثل في تبرير تصرفات القوى المهيمنة على حكومات نموذج الدولة القومية في النظام العالمي الرأسمالي، كما صوّرها إنمانويل وايرستاين، الذي يُوضّح كيف يتصرّف النموذج الاحتكاري للرأسمالية العالمية الإمبريالية؛ من حيث القانون و»الحق في التدخل» في دول كفنزويلا؛ كونها دول «خارج المجال» الذي أنشأته القوى العالمية! هذا النموذج «قادر على تطبيق أساليب رهيبة مثل الحرب البكتريولوجية التي طوّرتها الولايات المتحدة في فيتنام وكوبا في الستينات، وكذلك الوباء الحالي والذي لم يُحدَّد حتى الآن مدى مسؤوليتها فيه».
ونقرأ له كذلك، أن هذا الموضوع يَعرضه أيضاً (استيفان ميسزاروس) في عمله بعنوان «ما وراء رأس المال»، الذي يُوصّف فيه سلوك اقتصاد السوق كالتالي: «تم بناء نظام رأس المال من مُكوِّنات غير قابلة للدمج تحت شعار الرأسمالية، ليس فقط بسبب القوة الخاضعة للسيطرة غير المنضبطة لـِ»اليد الخفية»، ولكن أيضاً بسبب الوظائف القانونية والسياسية للدولة الحديثة..»، والنتيجة هي الاختطاف والسّلب. هذاالمستقبل القاتم كان ينتظر شعب ودولة فنزويلا، على غرار دول فاشلة أخرى وقعت في مصائد أرباب النظام العالمي الجديد الذي لم يتمكن بعد من تأكيد نفسه بفضل «قوى الإحياء والأحياء» المُمَانعة، التي في مقدمتها صين شي جينبينغ وروسيا بوتين والمعسكر الدولي الواسع المؤازِر لهما، ضمنها تلك الساعية لنفض غبار الهيمنة الخارجية عن كواهل ناسها.
لم ولن يتمكن أحفاد «مونرو» وأولادهم النيل من فنزويلا، فقد انهزمت الحملات المشوِّهة للفنزويليين بإحيائهم أُنْمُوذَجِهم التاريخي، وبتخلّصهم من حقبة الارتباك والإرهاب النفسي والسياسي، ليَحل محلها التماسك الاجتماعي والولاء للوطني، بدلاً عن قبول أنماط التدخلية للاحتكارات الاقتصادية والسياسية، وليرسَخ الإحساس بالإنتماء للقومي والوطني الأُممي والولاء للعائلة والمجتمع والقِيم الإنسانية، التي فشل تآمر الدُّخلاء وأشياعهم بتحطيمها.. وها هي فنزويلا تشمخ سيّدة ومستقلة.
*رئيس مجلس الإعلام والتضامن العربي مع شعب جمهورية فنزويلا البوليفارية.