CGTN العربية/

تزعم الولايات المتحدة لنفسها أنها “قلعة ديمقراطية”، ولكنها قد تدخلت في شؤون مختلف البلدان تحت شعار “الدفاع عن الديمقراطية”، على سبيل المثال، غزو العراق، التلاعب بـ”الريبع العربي”، وإقرار مجموعة من القوانين الخاصة بهونغ كونغ والتبت وشينجيانغ. إنه لمن باب السخرية إن النظام الأمريكي بالذات هو الذي جعل هذه الدولة الأكثر ديمقراطية وتطورا في العالم تتحول إلى دولة فاشلة.

السياسات الحزبية هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في الولايات المتحدة. وإنها مصممة لمنح الفصائل السياسية المختلفة فرص متساوية للتعبير عن آرائها حول السياسات الوطنية. ولكن في الواقع، المنافسة على مقاعد الهيئة التشريعية جعلت السياسة سلاحا في الصراع الحزبي الحاد. ففي هذا الإطار، النقاشات داخل الكونغرس ليست من أجل مصالح الشعب، بل من أجل تلبية الحاجة لمحاربة الخصوم.

ضعف الأداء الإداري

عندما حشدت الدول الأخرى قواها الوطنية لمكافحة فيروس كورونا الجديد، ضيعت هذه “الدولة الأكثر ديمقراطية وتطورا” في العالم ما يقرب من شهرين في النضالات الحزبية. أعلن البيت الأبيض عن دخول بلاده إلى حالة الطوارئ بعد 43 يوما منذ إعلان منظمة الصحة العالمية أن الوباء يعد حالة طوارئ صحة عالمية تثير قلقا دوليا في 30 يناير. ولكن الرئيس ترامب دونالد من الحزب الجمهوري وصف الفيروس بأنه “خدعة جديدة” نصبها الحزب الديمقراطي. على الرغم من أن الولايات المتحدة رائدة في مجال المعدات الطبية، إلا أنه لا يمنعها من التصدر وسط العالم من حيث عدد الإصابات المؤكدة وعدد الوفيات. فإن ضعفها في الأداء الإداري خيب آمال المواطنين الأمريكيين لحكومتهم “الديمقراطية”.

شل الوظائف في وضع القوانين

كما أن السياسات الحزبية أدت إلى شل النظام التشريعي الأمريكي. كلما اشتد الصراع بين الفصائل السياسية، انخفض احتمال قيام الدولة بإقرار وتنفيذ مشروع قانوني معين. على سبيل المثال، وقع الرئيس السابق باراك أوباما من الحزب الديمقراطي على مشروع قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة في عام 2010 مما جعله قانونا رسميا. ولكن في السنوات العشر اللاحقة، ظلت تستمر الخلافات والصراعات بين الحزبين حول هذا القانون، كان الحزب الجمهوري يحاول إلغاء أو إضعافه لـ70 مرة على الأقل، حتى أن الرئيس ترامب طلب من المحكمة العليا إعلان بطلان هذا القانون بأن “التأمين الطبي الإلزامي الفردي” داخله خالف الدستور الوطني.

الصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري قد أصبح أمرا شائعا في الولايات المتحدة. ولكن لم يخرج الحزب الجمهوري أي مشروع كبديل أثناء معارضته لمشروع قانون أوباما. إذا تم إلغاء هذا المشروع خلال تفشي الوباء، فسيوجد هناك 23 مليون أمريكي يفقدون تأمينهم الصحي تماما و130 مليون شخص يفقدون “الحماية المنقذة للحياة” وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

حلقة مفرغة

السياسات الحزبية جعلت هذه “الدولة الأكثر ديمقراطية وتطورا” وسط العالم تتوجه إلى دولة فاشلة تدريجيا. ولكن ما هو أسوأ: هو أن يتنافس السياسيون على كسب الدعم من المجموعات المالية من أجل التغلب على خصومهم في النضالات الحزبية. فإن النظام “الديمقراطي” المصمم للاستماع إلى أصوات المواطنين قد تحول إلى أداة مخصصة لخدمة الأثرياء.

على سبيل المثال، تقاعس إدارة ترامب عن حظر الأسلحة. من عمليات إطلاق النار على نطاق واسع في ولاية تكساس إلى القتل الدموي في ولاية شيكاغو. ظل عنف الأسلحة مرضا مزمنا في المجتمع الأمريكي، فيدعم معظم الأمريكيين إصدار القوانين الأكثر صرامة للتحكم على الأسلحة. ولكن شدد الرئيس ترامب على أن امتلاك الأسلحة هو حق مهم تمنحه للمواطنين التعديلات الثانية للدستور. بل في الحقيقة، استثمرت جمعية البنادق الأمريكية أكثر من 30 مليون دولار أمريكي لدعم ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وفقا للبيانات الصادرة عن لجنة الانتخابات الفيدرالية، هذا يعني أن الرئيس لا يستطيع تحمل الثمن للإساءة إلى مجموعاته المالية.

الصراع الحزبي العنيف يدفع السياسيين إلى تملق المجموعات المالية مما يشكل حلقة مفرغة. يحتاج السياسيون إلى كسب الدعم من المجموعات المالية إذا أرادوا التغلب على خصومهم في النضالات الحزبية. كما أن تضارب المصالح بين المجموعات المالية جعل الصراعات السياسية الحادة داخل الكونغرس أكثر تعقيدا. لذا، تحولت السياسة الأمريكية إلى أداة لكسب المصلحة الشخصية. فليس من العجب رؤية انخفاض فعالية الولايات المتحدة في وضع القوانين وتقاعسها عن قضايا المصلحة العامة وعدم قدرتها على الحد من سلطة الرئيس بشكل فعال.