*عن/المجلة الالكترونية “المحطة”:
خالد الفضلي*
عاش”مو تُزْوَ” خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، في أواخر فترة الربيعيات والخريفيات(الممتدة ما بين 722- 481 ق.م) في المرحلة الانتقالية ما بينها وبين عصر الدول المتحاربة(403 – 221 ق.م)، ويتسم هذا العصر من التاريخ الصيني بفترة”المائة مدرسة من الفكر” حيث احتشد الفلاسفة من جميع أنحاء الصين في مدينة”لو يانغ”. شجعت خلفيته العائلية الغامضة للكثير من التكهنات حول حياته المبكرة على أساس اسمه. لذا يعتقد بعض الخبراء أن اسم عائلته”مو” الذي يعني”الظلام” أو”الرقيق الموسوم”، يدل على أن جده الأعلى، في وقت من الأوقات كان مخالفًا أو خارج عن القانون، لذا كان وسم المحكوم عليهم بالحبر ممارسة شائعة في الصين القديمة. فيما تبقى وجهة النظر الأخرى، القائلة بانحداره من عائلة نبيلة، تردى وضعها في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، ضعيفه.
أدان”مو تُزْوَ” رغبات الربح، والرفاهية، والثروة، باعتبارها العلل المجتمعية التي كانت سائدة في عصره. كما أدان المظاهر المقابلة لهذه الرغبات، بما في ذلك ممارسة الحرب الهجومية، وتنمية القوة العسكرية. لقد اعتبر الحرب الهجومية مجرد سرقة، ودعَمَ الاستعدادات الدفاعية القوية لمنعها، واعتبر أن الموسيقى، والترفيه، والطقوس، هى أنشطة مكلفة للأثرياء، تنتقص من الرفاهية المادية للطبقات الفقيرة.
دافع”مو تُزْوَ” عن الإقصاء، والاحترام الصارم للقوانين، والنهوض بالإنسان على أساس الأداء بدلًا من الطبقية، مؤكدًا على القيمة المتساوية لجميع الناس.
مو تُزْوَ والكونفوشيوسية
يحافظ”مو تُزْوَ” على موقف عدائي تجاه وجهات النظر الكونفوشيوسية، فهو يرفض التأكيد الكونفوشيوسي على الطقوس، وقبول المصير، والالتزام المطول بالجنازات، كما يَصف كونفوشيوس بأنه منافق. على الرغم من انتقاداته للكونفوشيوسية، إلا أنه كان متفقًا مع كونفوشيوس بشأن أهمية الفضيلة والمعرفة من أجل رفاهية الدولة، فضلًا عن أهمية الثقافة الذاتية، والانضباط الذاتي. ومثل كونفوشيوس، اعتقد أنه لا يمكن لأي ملك أن يحكم بنجاح دون مساعدة وزراء قادرين وأخلاقيين. كذلك، يرى”مو تُزْوَ” الشخص المثالي الذي يدير نفسه فوق كل الشبهات، باعتباره نموذجًا يحتذى به جميع الناس. بعض الآراء الأخلاقية للموهيّون والكونفوشيوسية متشابهة إلى حد كبير. يتفق اللموهيست -في الغالب- مع خصومهم الكونفوشيوسيين على مدونة السلوك الاجتماعي المثالية، ومع ذلك، فإن الموهيّين الذين مارسوا الزهد يؤكدون على إنكار الذات أكثر مما يعتبره الكونفوشيون متأصل في النفس البشرية.
الموقف الديني
يوجد موقف ديني أكثر جدية منه في الكونفوشيوسية الموحشة، حيث يتحدث”مو تُزْوَ” عن السماء كإله يمكن تحديد إرادته من خلال إقامة العدل، ويستطرد قائلًا:
إذا توقف العدل عن الانتصار؛ فإن الفوضى سوف تسود في جميع أنحاء العالم. ولأن السماء هى السلطة العليا -حتى فوق السيادة الأرضية- فهى التي تضع المعيار العالمي للعدل؛ فلا يوجد أحسن من أتباع السماء، فالسماء عادلة في تصرفاتها، هداياها لا تحصى ولا تعد، السماء لا تشعر بالتعب ومنبعها لا يجف. على هذا الأساس، تتم مكافأة أولئك الذين يلتزمون بتلك المعاير، ومعاقبة الذين ينتهكونها.
ويعترف “مو تُزْوَ” بوجود الأرواح ووظيفتها كأوصياء على الأخلاق، يقسم الأرواح إلى ثلاث فئات عامة: الأرواح السماوية الأكثر تفوقًا، الأرواح الجبلية والنهرية الثانوية، وأرواح البشر الموتى التي تحتل أدنى طبقة في هذا التسلسل الهرمي. لإثبات قوة الأرواح، لا سيما الموتى، يروي”مو تُزْوَ” العديد من قصص الأشباح المذكورة في النصوص القديمة، ويختم بعبارة مفادها، أن انتقام الأرواح هو “حاد وشرس”، خاصة عندما يتم ارتكاب خطأ في حق الأبرياء. ومع ذلك، فإنه لا يوافق على أي ممارسة طقوسية لاسترضاء الأرواح. يُعلم أتباعه أنهم سيستمرون في التمتع بمباركة الأرواح، طالما أن ممارسة الحياة تمارس حبًا عالميًا وتجنب إيذاء بعضها البعض.
المنطق الديالكتيكي
يُذكر أن”مو تُزْوَ” هو أول فيلسوف صيني يهتم بجدية التطور المنطقي للحجة، ويُكرس لذلك العديد من الفقرات؛ لتعريف مصطلح “الديالكتيك“. فإن الديالكتيك وفقًا للمفهوم الفكري لدى”مو تُزْوَ”: هو محاولة للتمييز بين الصواب والخطأ، الصالح والطالح من الحكومات، التشابه من الاختلاف، الاسم من الواقع، الاستفادة من الأذى، واليقين من عدم اليقين. باستخدام قواعده الخاصة لتطوير الحجة بعناية، يقدم “مو تُزْوَ” عروضًا منهجية مدعومة بالأدلة. وهو أيضًا أول فيلسوف صيني يميز بين الفصل والنوع، موضحًا لطلابه أن الأول يشمل الأخير ولكن ليس العكس. لقد فعل الكثير للترويج لمدرسة الأسماء التي ازدهرت أثناء وقته وبعده.
إن أهم مساهمة فردية لـ”مو تُزْوَ” في الفكر الصيني القديم هي العرض المتسق لوجهة نظره المادية عن الطبيعة البشرية، وإشاراته المستمرة إلى مقاربة الألم والسرور للمشاكل الإنسانية. من المؤكد أن نظريته القائلة: بأن الناس يمكنهم -بل ويجب عليهم- التغلب على حب زملائهم. هي في آن واحد مفارقة ومثيرة للفضول للكونفوشيوسية المثالية، ولكن المفارقة قد تكون أكثر وضوحًا من الواقعية عندما يدرك المرء أن”مو تُزْوَ وكونفوشيوس” يفترضان أن مذهبهما قابل للتعليم لجميع الناس على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية.
أخيرًا، في تطور الفكر الصيني، كانت هذه مجرد خطوة قصيرة قدمها فيلسوفنا، التي لا تغيب أفكاره أبدًا عن العدل، والفضيلة، والحب الشامل، والواقعية الميكيافيلية، لينتهي بها المطاف وتفقد قوتها كفلسفة وهيئة منظمة من العقائد الدينية والسياسية بحلول القرن الأول قبل الميلاد. في المقابل، تقدم مذهب الكونفوشيوسية، الذي كان أكثر عقلانية وجاذبية لمجموعة واسعة من الناس.
خالد الفضلي- أستاذ باحث في الفلسفة في #الاردن، ومتخصص بالشؤون الصينية، وعضو في الاتحاد الإلكتروني الدولي للقلميين أصدقاء #الصين.
المصادر:* 1. الفلسفة و الفكر السياسي في الصين القديمة، عبدالحي عمر. 2. تاريخ الفلسفة الصينية، فونغ ، يو لان. 3. مو تُزْوَ ، كاي يو هسو. 4. غير الخيالية ، مارغريت دينينج.