لا يهدأ يومي وأنا أتلقى سَيولًا مِن الرسائل وشلالات من الملاحظات من المواطنين بمسلميهم ومسيحييهم من الأردن ومختلف بلدان الضاد، ومن دولٍ أجنبية أيضًا، يستفسرون فيها ويطرحون الأسئلة علي بعد مطالعتهم مقالاتي الأذرية، عن صحيح ما يُقال ويتم تداوله من مواد إعلامية وفي وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات عن أذربيجان عمومًا، وبالأخص عن اهتمام رئيس الجمهورية فخامة السيد إلهام علييف بالمسيحية والمسيحيين، ومديات حدبه عليهم وعلى أوضاعهم الوطنية والشخصية والدينية، ومحافظته على عمَائرهم التاريخية وتواصله الشخصي مع رجالات الدين المسيحيين ورئاسات طوائفهم الدينية.
شخصيًا، غالبًا ما أُجيب على استفسارات الجميع عن المسيحية والمسيحيين في باكو ومدن أذربيجان الأخرى، بأن أفضل إجابة لمَن يسأل هو أن يحزم حقائبه وينطلق فورًا في رحلة سياحية وثقافية إلى أذربيجان، بل ومن الممكن للمسيحي والمسلم أن ينطلق صوب باكو في زيارة حجيج لمواقعها المسيحية والإسلامية، ليتأكد هو وغيره من الحريات الدينية الكاملة للمسيحيين وغيرهم هناك، وليرى بعينيه صيانة الدولة الأذرية لعمائرهم وأبنيتهم وصوامعهم التي يجري حاليًا؛ ومنذ كَنس الاحتلالية والهيمنة الاستعمارية الأرمينية عليها؛ إعادة ترميمها على نفقة الدولة الأذربيجانية المسلمة، ما يعني بوضوح وشفافية أن أذربيجان دولة لجميع أديان مواطنيها الذين لهم ما لوطنهم وعليهم ما عليه.
برأيي، لقد آن الآوان لجماهير المسيحيين العريضة من مختلف البلدان زيارة أذربيجان، ليشاهدوا بأُمّهات أعينهم تلك الحريات الدينية الواسعة التي يتمتع بها مسيحيو هذه الدولة، وجمال كنائسها وتاريخيتها الضاربة في أعماق ترابها ومجتمعها التعدّدي المُنسجم تمامًا، والموَحَد (بفتح حرف الحاء) والموحِد (بكسر حرف الحاء) لجميع المؤمنين والألسن، فكما يقول المَثل العربي الشهير: خير أن نرى مرة واحدة من أن نسمع مئة مرة.
أضف إلى كل ذلك، أن السياحة الدينية – الثقافية في باكو ومدنها العريقة أصبحت لازمة في زمننا الذي يندفع فيه المؤمنون لتأكيد وحدة المجتمع البشري، فالسياحة الدينية هي وجه من وجوه التعرّف على الواقع، وملامسة المَعالم المادية والدينية له، وهي إلى ذلك واحدة من مصادر التلاقح والتداخل الإنساني بين الثقافات وترسيخ أخوّة المتدينين وشعوبهم، ولفضح الفبركات والتدجيل السياسي الذي يُريد للمتدينين استعداء بعضهم على بعض في عالم ما زال يعاني، وللأسف الشديد، من احترار في العلاقات بين الكثير من الدول لأسباب مختلفة.
أتحدث بكل ذلك وأثق بواقع أذربيجان المزدهر في كل الحقول، لأن علاقاتي مع أذربيجان موغلة في القَدم، فهي تعود إلى ستينيات القرن الماضي. ولهذا، رأيت بأم عيني في “المسيحية الأذربيجانية” التمتع الكامل بالحريات الدينية والاجتماعية والإعلامية. شخصيًا، علاقاتي القديمة مع أذربيجان والتي تمتد على مساحة نصف قرن ونيف، تستمر إلى الآن بالتطور والتوسع المضطرد بفضل همّة أصدقائي المخلصين من الطلبة الأذريين الذين درسوا معي في كليتي الصحافة في جامعتي موسكو ولينينغراد في الاتحاد السوفييتي السابق، ولعلاقاتي الأذرية الطيبة مع شخصياتها الحكومية والإعلامية والاجتماعية منذ سنوات طويلة خلت، فما أزال أذكر بكل الخير والمحبة، القسم العربي لإذاعة باكو الأذربيجانية السوفييتية، التي شاركتُ في مسابقاتها وفعالياتها وأخبارها، وفي مراسلاتي معها لسنوات طويلة. كذلك الأمر كان تَوَاصُلي مباشرة مع الجمعية الأذربيجانية للصداقة والعلاقات الثقافية مع البلدان الأجنبية، في باكو، وتألقت بعلاقات مع شخصيات أذرية وازنة منها على سبيل المثال لا الحصر، مع الأستاذ المرحوم عادل قربانوف المدير العام للمركز الثقافي السوفييتي في العاصمة الأردنية عمًان، وتشعّبت مع تسنّمه رئاسة تحرير “جريدة أنباء موسكو” الأسبوعية التي صدرت في العاصمة السوفييتية، إذ طلب مني رحمه الله، أن أُتابع النشر في هذه الصحيفة الشهيرة خلال فترة رئاسته أيضًا، ذلك أنني كنت ومنذ افتتاح المركز الثقافي السوفييتي أحد الذين يَنشرون المقالات في “أنباء موسكو”، فقد بدأت الاهتمام بها والكتابة فيها منذ أن كان عمري نيّف و 12 سنة.
تطورت إِتِّصَالاتي أيضًا مع المرحوم إيلمان أراسلي، السفير الأول لجمهورية أذربيجان المستقلة لدى الأردن، فقد بدأت معه منذ أيام خدمته في السفارة السوفييتية في المملكة الأردنية الهاشمية. وسبق وزرت أذربيجان بالترتيب منه، سويًا مع وفد لأساتذة الجامعات الأردنية. خلال تلك السنوات الكثيرة التي يَطول الحديث عنها، عَرفت في أذربيجان والأذربيجانيين شخصيات نابهة و”خدومة” ومحترمة وطيبة وصادقة في طبائعها وتعاملاتها.
لهذا، أنا أتحدث عن أذربيجان بصوت قوي نابع من تجربة طويلة وعلاقات متصلة لي مع أذربيجان والأذربيجانيين حتى الآن. قيادة الدولة الأذرية التي يُمثّلها الرئيس إلهام علييف، تحمي مسيحييها، فهؤلاء هم مسيحيون أذربيجانيون أصلاء، يتمتعون بكل حقوق المواطنة وحرية العبادة. نظرة واحدة إلى أنشطة الرئيس إلهام علييف هي دلالة على أن احترام المسيحيين في تلك البلاد الشقيقة كامل وشامل ومبدئي.
*متخصص أردني في شؤون أذربيجان.