شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: د. يربان الخراشي- كاتب موريتاني
منذ إعلان الرئيس الصيني الرفيق شي جين بينغ من جامعة نزارباييف بكازاخستان سبتمبر 2013 عن مشروع القرن مبادرة “الحزام والطريق” وحتى الآن انضمت إليها حوالي 150 دولة و32 منظمة دولية، حيث أصبحت المبادرة أكبر منصة للتعاون، والتنمية والسلام العالمي، وهو ما بات يعيد إلى الأذهان حقبة تاريخية قديمة حققت فيها الأمتين العربية والصينية نموا اقتصاديا، و أشكالا من الرخاء والأمان لم يسبق لها مثيل، إذ إنه في نفس الفترة التي كان الرجل يأتي بزكاته، فلا يجد من يأخذها منه، وينثر القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين، كان أعظم شعراء الصين دوفوي يتغنى بأزهى عصور إمبراطورية التانغ المعروف بعصر تانغ الذهبي (713-741) ويتفاخر بأبياته الشهيرة ” 忆昔开元全盛日,小邑犹藏万家室” التي تتحدث عن الحصاد الوافر، والمخازن الممتلئة بالمحاصيل، ورغد العيش في القرى الصينية، ولعل أحد أهم العوامل الاقتصادية التي أدت إلى بزوغ العصر الذهبي العربي – الصيني قديما كون التجارة كانت محورا رئيسيا في النظام العالمي حينها، حيث لعبت حواضر العالم الإسلامي والعربي نظرا لموقعها الجغرافي دورا محوريا كحلقة الوصل في التجارة عبر طريق الحرير القديم البري والبحري، مشكلة بذلك جسرا حضاريا واقتصاديا وتجاريا بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.
العلاقات العربية الصينية ليست مسيرة تاريخية وقوافل تجارية فحسب، وإنما تمتد أيضا لتشمل محطات حديثة، ومسارات تجعل منها عاملا مهما في معادلة التوازنات الدولية، ففي أواخر الثمانينيات، وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، ومع التغيرات الجذرية في أوروبا الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيارالشيوعية، كادت أن تنتهي معجزة تطور الصين السلمي التي لا سابقة مثلها في تاريخ البشرية، ووأدها في مهدها نتجية للعقوبات لأمريكية، والحصار الغربي الشديد، لولا الغزو العراقي للكويت، وما أثار من قلاقل واضطرابات في العالم العربي والإسلامي، وهو ما فتح المجال لتعزيز التعاون الصيني الأمريكي من جديد، وهذا ما تعكسه المواقف الصينية الداعمة لقرارات مجلس الأمن بشأن حرب الخليج الأولى، ومع نهاية عام 1992 ، أعلنت الولايات المتحدة رفع الحظر عن الاتصالات رفيعة المستوى وإلغاء العقوبات ضد الصين، مما سمح باستنئناف تدفق الأموال والتكنولوجيا الغربية عليها، وقد شكل انهماك أمريكا في الحرب على ما يسمى “بالإرهاب” بالمنطقة العربية، وتورطها في المستنقع الأفغاني فرصة تاريخية لتطور الصين بعيدا عن المضايقة الغربية، وهو ما يعني أن الثمن الذي دفعته الأمتين العربية والإسلامية لا يقل قيمة عن الجهد الذي دفعه الشعب الصيني في سبيل خلق التحولات والتغيرات العميقة الجارية في بنية النظام الدولي، والتي باتت تؤكد ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب.
والقمة العربية الصينية اليوم تأتي تتويجا وثمرة لمسيرة تطوير العلاقات البينية منذ إنشاء منتدى التعاون العربي الصيني 2004، ومحطة جديدة ونقلة نوعية تتجاوز بالعلاقات العربية الصينية من علاقات التجارة تقليدية إلى علاقات التكامل الاقتصادي، والشراكة الاستراتيجية الاستثنائية في ظل التغيرات غير المسبوقة التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، كما أن الدخول من البوابة الخليجية، والسعودية بشكل خاص يعطي بعدا أعمق، وأشمل لمستقبل العلاقات، بحيث تشمل العالم الإسلامي، الذي ينتمي له حوالي نصف البلدان الواقعة على طول نطاق طريق الحرير.
القمة تأتي بعد اختتام المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني بنجاح ودخول الصين إلى مرحلة بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، وكذلك تأتي في ظل وصول حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية إلى حوالي 330 مليار دولار أمريكي في عام 2021، واحتلالها مركز الشريك التجاري الأول للدول العربية على مدى الأعوام الأخيرة مع وصول حجم الاستثمار المباشر المتبادل الصيني والعربي إلى حوالي 27 مليار دولار أمريكي، بزيادة 2.6 ضعف عما كان عليه قبل 10 سنوت، كما تأتي في ظل توقيع 21 بلدا عربيا على التعاون مع الصين في إطار مبادرة “الحزام والطريق” وإقامة 13 دولة عربية علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الصين، بالإضافة إلى انضمام 15 دولة عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهذا ما يجعل من القمة العربية الصينية الأولى تؤسس للتعاون العربي الصيني في العصر الجديد، من خلال العمل على ربط مبادرة الحزام والطريق برؤية مصر 2030، ورؤية السعودية 2030، ورؤية الكويت 2035، رؤية قطر الوطنية 2030 ورؤية عمان 2040 وغيرها من الخطط التنموية العربية، كما من المتوقع أن يتم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، مما قد يجعلها منصة للرقي بالعلاقات إلى مستويات أعلى عن طريق عمل الدول العربية كمنظومة وتكتل مؤثر، مما يسمح بتشكيل معادلة تعاون 1 + 1 بدل تعاون 22 + 1، فالقمة ليست منصة لتعميق التعاون العربي الصيني فحسب، بل وبوابة للتكامل العربي المنشود، وستشهد السنوات القليلة القادمة تطورا سريعا وشاملا للتعاون والشراكات العربية الصينية في كافة المجالات، فطريق الحرير هو طريق يربط مدينة بخارى، وسمرقند بطهران، وبغداد، وأنقرة، ودمشق، والقاهرة، وعدن، ويعد إحيائه، بعثا للروح في جسر حواضر العالم الإسلامي والعربي، التي عبرها يتم التبادل الثقافي، والتجاري، والاقتصادي، بين الشرق والغرب والأهم من ذلك أن طريق الحرير الجديد يشكل طريقا إلى التجربة الصينية الرائدة في التنمية الشاملة، والتخلص من براثن الفقر.
القمة العربية الصينية الأولى تعبر عن رؤية شاملة لتطوير العلاقات وتوثيق الشراكات العربية الصينية، وتؤسس لعالم جديد بمعالم الماضي، تلعب فيه الأمتين العربية والصينية أدوارا أكبر.
د. يربان الخراشي كاتب موريتاني