شبكة طريق الحرير الإخبارية/
الصين والعراق. حضارتان متآخيتان وتشارك نحو المستقبل
بقلم: باسم محمد حسين
لقد وصف فولتير الحضارة الصينية القديمة بقوله “لقد دامت هذه الإمبراطورية أربعة آلاف عام دون أن يطرأ عليها تغير يذكر في القوانين، أو العادات، أو اللغة، أو في أزياء القوميات. وإن نظام هذه الإمبراطورية لهو في الحق خير ما شهده العالم من نظم”، فالصين قدمت نظاماً راقياً للإدارة لم يشهده العالم، كما قدمت الحرير والورق وفن الطباعة وصناعة مستلزماتها.
وفي العراق ايضاً كانت هناك الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية. فالسومريون قدموا للعالم الكتابة وحروفها الأولى ولحقها الاختام الاسطوانية، أما البابليون فهم أول من قدم القوانين في التاريخ ومسلّة حمورابي شاخصة في متحف اللوفر في باريس، وغيرهم قدم الزراعة والري بشكلهما المتطور آنذاك ومن بعدهم جاء العباسيون الذين قدموا العمارة والطب والجغرافيا وعلوم الطبيعة واخترعوا الاسطرلاب، ووصلوا بحراً الى الهند.
ان هذه التواريخ المشرفة لكلا الحضارتين لابد بأن تلقي بظلالها على الحاضر المُعاش هذا اليوم من حيث التعاون بين البلدين والشعبين العريقين فجمهورية الصين الشعبية تحرص دائماً على التعامل مع العراق كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة وبلد واحد موحد دون التدخل بشؤنه الداخلية مطلقاً وتعتبرها خطاً أحمر كما تحترم خياراته الاستراتيجية. وتؤكد حياديتها ووقوفها بمسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين العراقيين. والعراق ايضاً مؤمن بان الصين واحدة ولا تتجزأ ويتوجب عودة الاماكن المنسلخة الى حضنها الاول.
في يوم 14 فبراير 2020 أرسل العراق مساعدات طبية الى الصين بكمية 70 طن إثر تفشي جائحة كورونا في مدينة ووهان وعدد من مدن الصين قامت به جمعية الصداقة العراقية الصينية بإشراف الامانة العامة لمجلس الوزراء*.
وبالتأكيد فهذه الكمية تشكل موقفاً أخوياً فقط لأنها قليلة جداً مقارنة بحاجة الصين الفعلية آنذاك حيث لم يكن الوباء قد وصل العراق. وعند وصول الوباء الى العراق قامت الصين بتقديم مساعدات عينية كتجهيزات طبية وغيرها وبعدة دفعات ولعدد من المحافظات العراقية وتم ارسال فرق متخصصة لمعالجة المرضى وتدريب الكوادر العراقية من أطباء وفنيين على التعامل مع الجائحة.
هناك أماني كبيرة لدى الشعب العراقي لتطوير العلاقات في كافة الجوانب مع جمهورية الصين وشعبها المتحمس للعمل الجاد حيث يجد أغلب العراقيين بان على القائمين على الشأن العراقي وأصحاب القرار التوجه للتنمية المستدامة والتعاون المشترك مع دولة ناجحة بكل المقاييس وشعب يعمل بشكل دؤوب مستلهماً العزم والاخلاص من قيادة الحزب الشيوعي الصيني وقائده المخلص الرفيق شي جين بينغ.
فالصين تحقق نمواً اقتصادياً مستمراً لا يقل عن 6% سنوياً ويمكنها رفد العراق بالخبرات المتطورة والطاقات وحتى الأموال والاستثمارات وبأرباح مقبولة لا تتوازى مع أرباح الشركات الغربية التي همها الأساس تحقيق ما أمكن من الربح الوفير ولو على حساب شعب العراق الذي تنقصه مستلزمات كثيرة في مجالات التعليم والصحة والسكن والنقل والمواصلات والطرق والجسور والاتصالات والمطارات وغيرها، ناهيك عن النقص الكبير في تجهيز الكهرباء. واليوم هناك فضاء واسع لصناع القرار العراقيين في الاستفادة من الصين في هذه المجالات وكذلك المجال النفطي المتطور في الصين، علماً بأن الشركات الصينية الحكومية والخاصة لها حضور واضح في جنوب العراق في استخراج النفط وبناء المشاريع النفطية ومستلزمات التصدير. وهنا لا يمكن تناسي حاجة الصين للنفط العراقي ورغبتها في الاعتماد عليه بشكل متزايد.
في الجانب الزراعي تمتلك الصين خبرات واسعة في هذا المجال، حيث شاهدنا في جزيرة هاينان (جنوب غرب الصين) وحدها العديد من المزارع النموذجية وحدائق الزهور والتجارب الزراعية الناجحة والبيوت الزجاجية واستخدام الطرق الحديثة في الري حيث يتم استهلاك كميات بسيطة من المياه لمسافات شاسعة من الاراضي المزروعة، كما للصين خبرة واسعة في الزراعة النسيجية.
والحقيقة على العراق ان يحذو حذو الصين في هذا المجال وبناء جسور للتعاون مع الاكاديميين الصينيين والشركات الاستشارية بغية النهوض بالزراعة والري. وبقية المجالات الأخرى.
البصرة في 11 سبتمر/ايلول 2022.
*المصادر: موقع “الحرة” العراق.