و لا غرو أن أمة دفعت ثمنا لانعتاقها, أرواح أزيد من 5 ملايين ونصف مليون من أبنائها, تجعل من ذاكرتها أمانة تتناقلها الأجيال وتستشعر شرف صونها والائتمان عليها, من أجل أن “يبقى الانتماء الوطني متجذرا, ويظل الوفاء للشهداء رابطة وطنية مقدسة”, مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, في احدى رسائله السابقة بمناسبة اليوم الوطني للشهيد.
و لا يخفى أن حرص رئيس الجمهورية, منذ انتخابه, على التأكيد في كل مناسبة على ضرورة الوفاء للشهداء ولرسالتهم الخالدة, تعدى الخطب الرنانة والأحاديث المناسباتية, إلى كونه عقيدة ترتكز عليها سياسة الدولة داخليا وخارجيا, ومبدأ راسخا ومرجعيا وركنا ركيزا في بناء جزائر جديدة تستنير بمشعل الذاكرة لشق طريق آمن وسديد للمستقبل.
فبمناسبة اليوم الوطني للشهيد قبل أربع سنوات, جدد رئيس الجمهورية, عهده ووفاءه لرسالة شهداء الجزائر, ووعد بصون الذاكرة وايلاءها الاهتمام البالغ وباسترجاع رفات الشهداء من المستعمر السابق, وبعد أشهر قليلة, أشرف بنفسه على مراسم استقبال رفات جماجم 24 شهيدا من شهداء المقاومة الشعبية, بأرضية المطار الدولي هواري بومدين, وعلى مراسم دفنهم بعد ذلك في جو مهيب كرس مبدأ الوفاء لتضحيات هؤلاء الأبطال.
و استذكر رئيس الجمهورية حينها “دفاع الشهداء المستميت عن الهوية الوطنية, ضد سياسات التنصير والتمسيح وفرنسة اللسان والمكان”, وشدد على ضرورة استشعار “مراقبتهم لنا في كل كبيرة وصغيرة.. حتى نحقق الحلم المنشود لهم ولأبنائهم من الأجيال القادمة, في بناء الدولة الوطنية القوية والمزدهرة والعادلة والمهيبة الجانب”.
و قد ارتبط يوم 18 فبراير بمحطات تاريخية هامة, حيث صدر يوم 18 فبراير 1957 القرار رقم 1012 للدورة ال11 للأمم المتحدة حول القضية الجزائرية, اعترفت بموجبه هذه المنظمة بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره, وخلال ذات الشهر من سنة 1947 تم تأسيس المنظمة الخاصة التي مهدت لخيار الكفاح المسلح ولثورة نوفمبر العظيمة.
و بالمقابل, اقترن شهر فبراير بأحداث أليمة إبان الاستعمار الغاشم, حيث ارتكبت فرنسا الاستعمارية واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية حين قامت بتفجيرات نووية سطحية في ناحية رقان بتاريخ 13 فبراير 1960, كما ارتكبت جريمة إبادة جماعية بساقية سيدي يوسف يوم 8 فبراير 1958, وفي مثل هذا الشهر سنة 1959 قررت
فرنسا إنشاء المناطق المحرمة وإقامة الأسلاك الشائكة المكهربة وزرع ملايين الألغام المضادة للأفراد, من خلال دخول مخطط “موريس شال” (القائد الأعلى لجيش المستعمر الفرنسي بالجزائر) حيز التنفيذ.
و كان فبراير بعد الاستقلال, شاهدا على قرارات سيادية كبرى, على غرار قرار استرجاع القاعدة البحرية “المرسى الكبير” في 2 فبراير 1968 والإعلان عن تأميم المحروقات واسترداد الموارد النفطية الوطنية يوم 24 فيفري 1971.
و يتميز إحياء اليوم الوطني للشهيد هذا العام, بانخراط تام لأفراد الجالية الوطنية بفرنسا في تنظيم تظاهرات وأنشطة مختلفة, استجابة لدعوة الحركة الديناميكية للجزائريين بفرنسا (موداف) التي اعتبرت أن “يوم الشهيد هو جسر بين الماضي والحاضر ولحظة انتقال بين الأجيال”.
و أكدت أن الجالية ستحمل عاليا في هذا اليوم “مشعل الوفاء والحرية والكرامة والدفاع عن المبادئ الأساسية لوحدة أراضينا ووحدتنا الوطنية واستقلالنا الوطني وأيضا خدمة وتقديم كل ما هو أفضل من أجل جزائر قوية موحدة كريمة مستقرة ومتضامنة”.
فالجزائر التي دفعت الملايين من الشهداء ثمنا لاستعادة سيادتها الوطنية, “تصر اليوم على صونها والدفاع عنها بكل ما أوتيت من قوة” –مثلما جاء في افتتاحية مجلة الجيش لعددها الأخير– والتي أكدت فيها أن “مبدأ السيادة الوطنية” سيظل بالنسبة للجزائر “أحد المقومات الأساسية للدولة” و”خطا أحمرا لا يسمح بتجاوزه بأي حال من الأحوال”.