شبكة طريق الحرير الإخبارية/
الانعِطَافَة الدَوليَّة تَتَعمَّق..
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
يَشهد العَالَم حاليَّاً إنعطافة سياسية شاملة، وتغيُّرات عميقة في التحالفات والصداقات بين الأنظِمَة السياسية المختلفة، لا تقتصر على الدول الكُبرى عسكرياً وسياسياً، بل تشمل كذلك الدول الثالثية والفقيرة التي أدركت، أخيراً، أنه لا مَحَالَة من امتطائها صهوة فرس جديد ضماناً لمصالحها المختلفة، ولأجل الحِفاظ على بُنيتها السياسية والاقتصادية وشعبها ومستقبلها، بعيداً عن زجِّها عُنوةً في خوض حربٍ ضروسٍ مُمِيتة نيابة عن “العَم سَام”، الذي يَدفَع بعشرات العواصم إلى حتفها، ليبقى هو وَحْدَهُ بعيداً عن سَكرات الموت السريع..
ما يجري حالياً على جبهات القتال الروسية – الأوكرانية، وعلى الجبهات الغربية الأُخرى التي تساند كييف بالقوى المسلحة، والأموال الفلكيةً، والمعلومات الاستخبارية والتكنولوجيا الرفيعة، هو في الواقع حرب عالمية ثالثة حقيقية، لن تَفلت منها دولة واحدة، فَمَن يَدَّعي أنه لا يُشَارك فيها عسكرياً إنَّمَا يُساهم رَغماً عنه في إطار يومياتها على جبهات عدَّة، منها الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية واللوجستية وهلمجرا.
الجنس البشري يَستهِل مرحلة انعطافة جديدة وحادَّة تشهدها الحلبة الدولية، هي الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945)، فالتناقضات الحالية التي برزت بكل حدِّة بين الغرب السياسي والشرق الذي تمثله روسيا والصين وكوريا الديمقراطية الشعبية، قد تفتح المجال للشعوب للانتقال إلى علاقات دولية حُرَّة لتتمتع بالاستقلالية الحق، وبالتالي بروز عقائد جديدة تقوم على أساس المصالح لكل دولة على حِدة، وللدول المجتمعة المُنتصرة في المواجهات الحالية.
التحدي الجديد القائم اليوم على الحلبة الدولية هو طبيعة النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكّل، فها نحن نشهد بشكل شبه يومي على جهود روسيا لجَمعِ وتكتيل الدول الفقيرة والنامية و”الثالثية”، ويتم في المؤتمرات والاجتماعات المتلاحقة التي ينظِّمها أو يُشارك في إعدادها الرئيس فلاديمير بوتين في موسكو، أو في كازاخستان وغيرها من المدن والعواصم، الدعوة إلى البحث في سُبل انتاج هيئات جديدة تقوم مقام تلك الإقليمية والدولية التي يستمر الغرب وأمريكا في السيطرة عليها، والتحكّم بقراراتها، وتوجيهها ضد هذه وتلك من الدول وقادتها وأُمَمِها.
وفي هذا الصدد أرى شخصياً، أن البشر إنَّما باتوا ينزعون إلى تكتل دولي جديد نوعياً، يَنقلهم إلى مرحلة السيادة الوطنية الحقيقية، وتوظيف بذور الاشتراكية العلمية التي قتل الغرب قادتها ودَمَّر دولها، ونخرها من داخلها بأيادي طابوره الخامس – وأسماء أركان هذا الطابور معروفة وأغلبها صهيونية، وتتمتع بعضوية فاعلة في منظمات ومنتديات شمولية.
هذا الطابور – التكتل السري، كان يدير المهام السياسية والفكرية والحزبية وغيرها في جزء كبير وفاعل من الأقطار الاشتِراكيَّة السابقة، وفي تلك التي كانت تسير في مسار الاشتِراكيَّة، وقد نجح الغرب، وللأسف، في الإجهاز عليها، وإسالة دماء البسطاء الغزيرة والزكية فيها، ولا أدل على ذلك مِن أنَّ دول أوروبا الشرقية التي أنكرت الاشتراكية وتنكَّرَت لها بأوامر غربية، قد دفعت أثماناً باهظة حين تدخل اللوبي الاحتكاري الصهيوني لتدميرها.
واليوم، ها هو معظمها يسير في خط ما تُسمِّيه بـِ”الخط الثالث” المُعَادِي لروسيا وأصدقائها، وتُحارِب موسكو “حتى نهاية أخر رجل وإمرأة” بسياساتهم التآمرية، التي يعملون على استيرادها جاهزة من وراء الحدود، لكن هنالك دولاً عديدة بقيت صامدة تدافع عن الاشتراكية الحق وفكرتها، في طليعتها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية؛ وجمهورية الصين الشعبية؛ وجمهورية فنزويلا البوليفارية؛ وجمهورية كوبا؛ وجمهورية فيتنام الاشتراكية؛ وجمهورية لاوس الشعبية الديمقراطية وغيرها. هذه الدول، ومعها الجمهورية العربية السورية، تعمل على إفشال مزاعم الغرب بما يُسمَّى الانتصار التاريخي للنظام الغربي وديمقراطيته المشوَّهة والكاذبة التي تخدم “النُّخبةَ” التّآمريّةِ تحديداً، عِلماً بأن أشواق مئات ملايين البشر ما زالت تنحو صوب الاشتراكية الواقعية ونظام المساواة فيها بين الجميع “كِباراً وصِغاراً”.
أرى، وانطلاقاً من فلسفة الاشتراكية العلمية وزوتشيه والكيمجونغؤونية وسونغون المخلصة للفكرة الإنسانية التقدمية بكل تجلياتها، أنه من الضروري لنا بمكان أن نتعمق في أبعاد ما يجري اليوم من مواجهات دولية ضَروس بين القوى الكبرى، ومِن المهم أن نُدرك أن للجماهير الشعبية الكلمة الفصل في تطور التاريخ ليجري في منحى سونغون الذي يعني أن للناس وجماهير البشر الحق بمصيرها لتصنعه هي بذاتها ولنفسها ومستقبلها، لكونها هي وليس غيرها سيِّد الكون، وصانعة الخيرات فيه، فهي بالذات التي تبلور وتنتج الدعائم الحقيقية لدولها كما نرى اليوم في التظاهرات العارمة التي تشهدها أوروبا الغربية والشرقية، وبلدان رأس المال المالي الاحتكاري التوسعي التابعة للشركات الكبرى.
وهنا، لا يجوز لنا أن نتردد لحظة في المساهمة بتغيير الحقبة التاريخية الحالية، وضرورة إعادة النظر بما جرى سابقاً ويجري راهناً من تبدلات خطيرة تمس مصالح ووجود كل إنسان. وأرى، أن كل كائن في هذه المَعمورة هو شاهد تاريخي حَي على النقلات المفصلية في هذا الكون الفسيح، وعليه بالتالي العمل التشاركي الواعي بمحركات سونغون وزوتشيه التي تعني حرفياً وعقائدياً أن “الإنسان سيِّد نفسه” وليس الغير هو سيِّده، لأجل تخليق تاريخ جديد بمسارٍ أممي مُشترك بالاعتماد على الجماهير العريضة وتطلعاتها التحررية في السياسة والاقتصاد ولقمة العيش والحياة اليومية.