خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
الاحزاب بين ممارسة السياسة وغياب الفكر السياسي
بقلم: باسم فضل الشعبي*
*التعريف بالكاتب: صحفي وكاتب يمني معروف وخبير سياسي في الشئوون اليمنية، ورئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، ومعتمد للنشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية في الجزائر؛ و عضو ناشط في الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
ممارسة السياسة بصورة مجردة ليست هي الوظيفة الرئيسية والوحيدة التي يمكن للاحزاب اتقانها والتشدق بها للتعبير عن وجودها في المشهد السياسي فهناك وظائف عديدة تقوم بها الاحزاب لتجعل منها مؤسسات فاعلة ومؤثرة سواء اكانت في السلطة او في المعارضة.
ان التأصيل للفكرة والاهداف التي تحملها الاحزاب عبر الانتاج الفكري والثقافي هي من الوظائف المهمة التي تفتقدها الكثير من الاحزاب في عالمنا العربي وبدونها تصبح الاحزاب مبهمة وغير مفهومة للجماهير ولكل من يريد التعامل معها.
ان وظيفة الفكر والثقافة من اهم الوظائف التي يمكن للاحزاب القيام بها لانتاج البرامج والمشاريع والمبادرات التي تعالج الواقع ومشكلاته المعقدة وتخلق شروط التغيير والنهضة المرجوءة التي تتطلع لها الشعوب والدول.
فمن غير المعقول ان تظل الاحزاب تمارس السياسة بصورة مجردة عن الفكر السياسي وبهذا النكوص تظل تكرر نفسها بصورة مملة غير قادرة على التعاطي مع المتغيرات من حولها وبدلا من انتاج شروط التحول تغرق في اتون المناكفات والمماحكات مع الاطراف الأخرى بصورة تقزمها تماما وتخل باهمية وجودها في حياة الناس.
الاحزاب هي ادوات ادارة الدولة.. وهناك تجارب ناجحة لاحزاب نجحت في ادارة الدول من ماليزيا الي الصين الي روسيا الي تركيا الي سنغافورة الي المغرب وغيرها واذا نظرنا لهذه التجارب سنجدها قد وازنت بين العمل السياسي والانتاج الفكري والثقافي والذي قاد الي وضوح الرؤية والهدف وانتاج تجارب ملهمة في ادارة الدولة بالنجاح في تنفيذ البرامج والمشاريع والمبادرات التي انتجها العقل الوطني ولامست هموم الناس وحققت تطلعاتهم واوجدت الحلول للمشكلات المعيقة للتقدم والتطور.
احزابنا ما تزال غارقة في نفس الأداء الذي كانت عليه ايام المعارضة السياسية للانظمة البائدة غير مستوعبة انها اصبحت في السلطة وتدير الدولة واذا استوعبت ذلك وهذا محال فانها تريد مناصب ومواقع في السلطة دون ان تقدم للدولة شي يذكر غير استعادة وظيفة الصراع العقيم مع الاخرين وكأن هذه هي وظيفتها الاساسية في ممارسة السياسة.
وللاسف كثير من النخب السياسية التي كان يعول عليها الاسهام في تطوير الفكر السياسي وتجديد وظيفة الاحزاب في المجتمع وفي ادارة الدولة من خلال المؤلفات والاطروحات السياسية والفكرية والثقافية اصبحت تزاحم الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عبر منشورات يومية للاستهلاك وتأدية الواجب ربما كما هو حال زعماء الاحزاب الذين يلجأوون لهذه المنصات لمخاطبة الناس بصورة ممجوجة وغير هادفة.
اذا كانت وظيفة الاحزاب كما يفهما البعض هي ممارسة السياسة فان وظيفة السياسة هي ادارة شؤون الناس ومن دون فكر سياسي لن تستطيع الاحزاب النجاح في ادارة شؤون الناس مهما فعلت حتى اذا افترضنا انها استعارت تجارب من الخارج فانها لن تنجح فلكل دولة طبيعتها ومشاكلها ومقوماتها الخاصة بها التي تحتاج لمشاريع وبرامج وطنية نابعة من الداخل لا اتية من الخارج مع اهمية الاستفادة من تجارب الاخرين لخلق التجربة الخاصة والملهمة.
كثير من الشباب الذين ينتمون للاحزاب يقولون انهم بذلك سيستطيعون الوصول للسلطة ولكن ماذا بعد الوصول للسلطة ..كثير من شباب الثورات اليوم الذي وصل للسلطة لم يستطيع ان يضيف شيئا جديدا لا داخل احزابهم ومكوناتهم ولا داخل السلطة، وتتجه تجاربهم مع السلطة الي الفشل كما هي تجارب احزابهم ..الا الذين يعتبرون ذلك جمع اموال وتحقيق امتيازات فانهم سينجحون في ظل الفساد القائم والاخفاق العميم ولكنه نجاح الي حين ومهدد على الدوام.
على احزابنا اعادة صياغة وظائفها بما يمنحها القدرة على التعاطي مع المتغيرات المتسارعة وتشجيع الانتاج الفكري والثقافي الذي يفتح امامها الافق ويعيد ترتيب اولوياتها التي تتسق مع تطلعات الناس وحاجة الدولة لاستعادة مؤسساتها المصادرة ونبذ الصراع العقيم الذي يخطف جهودها وطاقتها ويوظفها بصورة تتصادم مع حاجة الشعب للخلاص.