CGTN العربية/
بعد إصابة شاب أسود بالشلل بسبب اطلاق شرطي النار عليه في مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن الأمريكية، عمّت الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والمناهضة للعنف لفرض القانون في جميع أنحاء الولايات المتحدة لعدة أشهر. زار الرئيس الأمريكي ترامب مدينة كينوشا في الأول من سبتمبر لدعم قوات إنفاذ القانون المحليين ووصف الاحتجاج بأنه “أعمال إرهاب داخلي”، والذي اعتبره الرأي العام عملا للتحريض على المواجهة و “صب الزيت على النار”.
وأشار بعض المحللين إلى أنه مع بقاء شهرين فقط قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يحاول المرشحون الرئاسيون من كلا الحزبين كسب المزيد من الأصوات باستغلال هذا الموضوع.ومع ذلك، فإن خطاب الجانبين يبدو من الصعب أن يحدث أي تغيير في أزمة الانقسام الاجتماعي الحالية، حتى أنه قد يؤدي إلى تفاقم الوضع، وسيظل مرض التمييز العنصري المتجذر في المجتمع الأمريكي موجودا لفترة طويلة.
تصاعد الفوضى
في الأسبوع الأخير من أغسطس، من مدينة كينوشا إلى مدينة بورتلاند بولاية أوريغون،حتى إلى مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، استمرت موجة الاحتجاجات التي سببتها الشرطة الأمريكية في تنفيذ القانون بعنف ضد مجموعة الأقليات العرقية في جميع أنحاء البلاد. في الوقت نفسه، اشتبك أنصار ترامب مع المتظاهرين، حتى تسببت في وقوع جرحات و وفيات، وكان الوضع في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة متوترا.
في الأول من سبتمبر، زار ترامب مدينة كينوشا، التي تعد معقل الاحتجاجات الأخيرة؛ وشكر قوات إنفاذ القانون المحليين على “أدائهم الممتاز” في الاستجابة للاحتجاجات، حيث قال إن المظاهرات هي ليست سلمية فحسب” وإنما هي “معادية لأمريكا” أيضا وحتى أنه وصفها بأنها “أعمال إرهاب داخلي”.
وقد أثارت زيارة ترامب إلى مدينة كينوشا جدلا واسعا. هذا ويرى توني إيفرز، الحاكم الديمقراطي لولاية ويسكونسن، أن أقوال ترامب وأفعاله لن تشكل سوى عقبة أمام رأبة الصدع الاجتماعي المحلي. وأعرب آندي بيرغر، المسؤول الإداري في مدينة كينوشا، عن قلقه من احتمال أن يشجع ذلك جماعات الميليشيات المحلية على التجول في الشوارع بالبنادق.
ويرى المحللون أنه عندما واجه ترامب عنف الشرطة والتمييز العنصري، ردد لعديد المرات أنه يجب تطبيق “القانون والنظام” ووقف إلى جانب قوات إنفاذ القانون لتلبية احتياجات المحافظين الداعمين له. نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالة ركزت فيه على بيان ترامب الذي سلط الضوء على سلوك “اليساريين” في أعمال الشغب، لكنه تجاهل عمدا المتعصبين للبيض والجماعات اليمينية، وكان يهدف إلى استخدام القضايا العرقية لتصعيد الصراعات الاجتماعية وكسب من الفوضى.
متهم الحزبان بعضهما البعض
لطالما كان موضوع التمييز العرقي إحدى المواضيع الساخنة في الحملات الانتخاباية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حظيت باهتمام خاص هذا العام. ومع اقتراب يوم الاقتراع، يثير كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ضجة حول المشكلة لعرقية ويعد حادث الساعة بامتياز.
في تجمع انتخابي في 31 أغسطس، اتهم جو بايدن، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، ترامب بـ “التحريض على العنف لعدة سنوات”، لكنه انتقد أعمال العنف خلال الاحتجاجات أيضا. رد ترامب بالقول إن اتهامات بايدن لشرطي تفوق بكثير الهجمات على “البلطجية ومثيري الشغب واللصوص”. وقال إنه في حال فاز بايدن، فإن الولايات المتحدة تحت حكمه لن يكون لديها “لا قانون ولا نظام”.
كما أن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين يتواجهون بعدائة فاجعة جدا. وترى النائبة كارين باس، ممثلة من الحزب الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا، أن “الغرض الوحيد” لترامب من زيارة مدينة كينوشا هو تصعيد الوضع المحلي. وقد انتقد السناتور الجمهوري الأمريكي توم كوتون، العديد من حكام الولايات ورؤساء المدن الديمقراطيين لفشلهم في الاستجابة لزيادة عدد “الجرائم” و “أعمال الشغب” في ولاياتهم القضائية، ورفض متطلبات الحكومة الفيدرالية لعديد المرات لنشر القوات والحرس الوطني في المناطق ذات الصلة للحفاظ على النظام.
وأشار محللون إلى أنه فيما يتعلق بموضوع العرقية، فقد أصبحت المعارضة بين الحزبين كما هي نفسها. ويرى الديموقراطيون أن إدارة ترامب حرضت على الكراهية والعنصرية، وفاقمت من الانقسامات الاجتماعية، وإنه المتهم الرئيسي بـ “العنصرية النظامية”؛ بينما هاجم الجمهوريون الديمقراطيين لتجاهلهم لأعمال العنف التي حدثت خلال الاحتجاجات في المدينة الحاكمة، وخرقوا “القانون والنظام “.
من الصعب رأبة الصدع
إن المشكلة العرقية مرض مزمن متجذر بعمق في المجتمع الأمريكي ومن الصعب حله، وقد أصبحت الحوادث المتكررة المتعلقة باستعمال الشرطة للعنف في إنفاذ القانون ضد السود الفتيل الذي يفجر المشاعر العرقية القوية بين الجماهير. ومع ذلك، فقد هاجم الطرفان في الولايات المتحدة بعضهما البعض لكنهما فشلا في التوصل إلى حل فعال، وفي الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الخلافات الحزبية، قد لا ترأب الصدع للمجتمع الأمريكي.
يرى داريل جونسون، كبير المحللين السابقين في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، أن استجابة إدارة ترامب للمشكلة العرقية تعكس “خلل وظائف الحكومة ووصلت البيروقراطية إلى أسوأ مستوياتها”. قال جونسون إن ترامب هاجم الجماعات اليسارية لكنه غض الطرف عن المتعصبين للبيض، فهذه الممارسات “السخيفة” ستؤدي إلى الضرر في نهاية المطاف بالشعب الأمريكي في ظل تفاقم حوادث العنف.
ومع ذلك، فإن هجوم بايدن على ترامب في الوقت الراهن لم يوافق عليه بالإجماع الحزب الديمقراطي؛ قال آل شاربتون، زعيم حركة الحقوق المدنية الأمريكية والديمقراطي إن بايدن بحاجة إلى توخي الحذر في خطاباته، فإذا شدد على العناصر العنيفة في الاحتجاج أكثر من اللازم، فقد يفقد دعم المتظاهرين السلميين.
نشر موقع “نيويورك تايمز” مقالة مؤخرا مفادها أن الاستقطاب السياسي المتزايد والتحيز الحزبي جعل المواطنين الأمريكيين أكثر وعيا بإضعاف الوسطاء المعتدلين وتراجع الديمقراطية بشكل لم يسبق له مثيل! ولا يمكن لأي مؤسسة أمريكية تقريبا حل هذه المشاكل.