شبكة طريق الحرير الإخبارية/
احتفاءً بالبيعة وإخلاصاً لها وللمسيرة الواثقة (1)
الأكاديمي مروان سوداح
احتفل شعبنا الأُردني واحتفى شيبه وشبابه في اليوم السابع من شباط هذا العام 2023م، بالذكرى الرابعة والعشرين ليوم الوفاء والبيعة. وقد أحيا أبناء الوطن وبناته المخلصين هذه الذكرى، وفاءً للمغفور له بإذن الله، جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، واحتفاءً بالبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، وتسلمه سلطاته الدستورية، ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية.
ويستذكِر الأردنيون في هذا اليوم جلالة الملك الباني الحسين، رحمه الله، الذي قاد مسيرة مضيئة ووضاءة لبناء الأردن الحديث على مدى سبعة وأربعين عاماً، زعيماً عظيماً وقائداً فَذَّاً، نذرَ نفسه لخدمة وطنه وشعبه وأمته والسلام الشامل في العالم، ونشط في عملانيات متصلة لحماية هِبَة الحياة المُقدَّسَة، فقد كان جلالته نصيراً لـِ«الأنسنة»، التي هي المذهب الفكري الذي يؤكد أن الإنسان هو القيمة الأعلى والأرقى.
جلالة الملك الحسين كان مواطناً يتحلى بالبساطة، والقلب الطيِّب، وصفاء النِّيَّة، والروح المرحة ككل مواطن أردني. هكذا كان جلالته يؤكد ويُكرِّر بأنه خادم الأمة وكل المحتاجين لمعونته، وكان يَهب لمساندة كل مَن يناشده بطلب المساعدة منه، ويرى في كل مواطن سنداً للوطن، فقد كان رحمه الله يسير سوياً مع عائلته الكريمة في شوارع عمّان ومدن الأردن الأخرى، لتفقدها والاطلاع على أحوال المواطنين، والحديث معهم عن كل صغيرة، وكبيرة ويُلبي طلباتهم ورغباتهم فوراً.
شخصياً، لقد كنت من المحظوظين الذين عرفوا جلالته على فترات وسنوات. أذكرُ جلالته جيداً كما لو كنت اليوم أسير إلى جانبه، فقد نشطت أنا بين حين وآخر في لقاءات مع جلالته في مواقع مختلفة، حيث كنت مُعتمَداً رسمياً لتغطية عدداً من أنشطة جلالته. مثلاً، خلال افتتاح البرج التلفزيوني في صويلح؛ وكذلك كنت انتظر جلالته في المطار في أسفل الدرج الذي تَرَجَّلَ ونَزَلَ عليه جلالته من الطائرة الملكية، بعد عودته الميمونة إلى أرض الوطن بعد علاجه في الولايات المتحدة الأمريكية.. وكان رحمه الله يُكرر علي دوماً أن أطلب منه ما أريد ليساعدني ضمن ذلك معالجتي طبياً من أسقامي في دولة اختارها أنا، لكنني كنت خجلاً جداً أمام شخصيته العظيمة، إذ تحلّى جلالته بالرشاقة وبابتسامة عريضة، واشتهر بانسانية يَندر مثيلها.. لم أطلب منه شيئاً بالرغم من أنني كنت في حاجة ماسة جداً للعون والمساندة، وكنت اعتذر دوماً لجلالته عن طلب أي شيء منه أو أي عون، لعِلمي أن جلالته المُعظم رحمه المولى برحمته الواسعة ورفع درجته في الصالحين، وتقبّله في جنّات النعيم، كان منشغلاً دوماً بهموم الأمة والعالم، وفي لجة التفكـــير والعمل والنشاط. لقد كان سِرُّ النجاح المؤكد لجلالته في حسن ودقة التفكير وإجادته ومهارته في تنفيذ المهام المختلفة، فقد كان جلالته طويل الأناة والتعقل والإهتمام بكل شيء حتى بالأمور الطفيفة والبسيطة، لكونها دعامة الفوز و واسطة الحصول على النتائج الأنجع.
كان جلالته يؤكد علينا دوماً بأنه مواطن أردني ككل مواطن أخر، وبأنه خادم للوطن وأهله، ومستعد لبذل الغالي والرخيص من أجل كل أردني وعربي، وكثيراً ما كان جلالته يتجول لوحده متخفياً بلباس “بلدي” مشياً على قدميه أو في سيارة ما، ليطلع مباشرةً وعن كثبٍ على مجريات المتطلبات المختلفة في العاصمة والأماكن الأخرى في المملكة، وليطمئن بنفسه على تنفيذ الأهداف والقضايا المختلفة في الوطن الغالي بسلاسة كما هو مُخطط لها.
اعتلى جلالة الملك الحسين العرش في الحادي عشر من آب عام 1952، وفي الثاني من أيار عام 1953، تولى جلالته سلطاته الدستورية. وأقدم جلالة الملك الحسين على خطوات مهمة أبرزها؛ تعريب قيادة الجيش الأردني في عام 1956، وإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957، لإكمال السيادة الوطنية، كما حَقّق الأردن بقيادة الملك الراحل، انتصاراً كبيراً في معركة الكرامة الخالدة في عام 1968، والتي تم فيها تحطيم أسطورة “الجيش الذي لا يُهزم”.
لقد كان الملك الحسين رجل حرب وسلام، فمثلما كانت معركة الحرب ناجحة بكل شرف وشجاعة وإقدام، كانت معركة السلام فائزة، وقد توِّجَت بتوقيع معاهدة السلام في عام 1994، إذ أكد الأردن على ثوابته الأساسية، المتمثلة في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل، يَضمن تلبية جميع حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
ـ للموضوع صِلة. يتبع..