CGTN العربية/
قبل شهر تقريبا، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوة في تغريده على تويتر إلى “تحرير” الولايات بهدف رفع إغلاقها رغم أن عدد حالات الإصابة الجديدة فيها حينذاك قد تجاوز مليون شخص، حتى أنه لم يعرب عن اهتمامه بسلامة الشعب والوقاية من الوباء، وقلقه من ارتفاع عدد الوفيات. فما يهتم به للغاية هو إجبار الولايات على دفع عمليات إعادة فتح البلاد بسرعة لإنقاذ اقتصادها ومصالح الشركات الكبرى.
اليوم، يبين الوضع الحرج الراهن أن هذا القرار المتهور وقصير المدى قد أدى إلى عواقب كارثية. لم تفشل الولايات المتحدة في احتواء الوباء فحسب، بل الوضع الوبائي كان فيها أسوأ مما كان عليه في إبريل. إن عدد الحالات المؤكدة فيها قد تجاوز 2.5 مليون شخص وأكبر عدد لحالات الإصابة الجديدة خلال يوم واحد وصل لأكثر من 45 ألف شخص.
حاول ترامب حل هذه المشكلة المتزايدة بواسطة تكثيف الاختبارات خلال الأسبوع الماضي، ولكن الأعداد لا تكذب، نسبة الاختبارات التي نتائجها إيجابية تستمر في الزيادة. ووحدات العناية المركزة في ولاية تكساس قد عادت تعمل بكامل طاقتها، كما أن حاكم الولاية اضطر إلى فرض شروط التعليق على ولايته، على سبيل المثال، إغلاق الحانات وتقييد فتح المطاعم ومطالبة المواطنين بالبقاء في المنزل.
لا شك أن هذا يمثل فشلا كبيرا للحوكمة الأمريكية حيث وضع السياسيون مصالح النخبة المؤسسية فوق أرواح أبناء الشعب وجلبوا الجمهور إلى الشعور المزيف بأن الفيروس قد تمت السيطرة عليه، ولكنه على العكس من ذلك، يصبح أشد وأكثر انتشارا من ذي قبل. لذا، فإن الانتعاش الاقتصادي الذي كان ترامب يهدف لتحقيقه صار بعيد المنال وآفاقه أصبح أكثر ضيقا مما كانت عليه في البداية. فلا يمكن تحقيق الانتعاش الحقيقي بدون الثقة والرفاه الاجتماعي والاستقرار.
وهذه الاعتبارات الاقتصادية التي وضعت مصالح الأغنياء فوق الحاجات الاجتماعية تؤثر على استجابة الولايات المتحدة لفيروس كورونا المستجد. كما أن الأفكار السائدة التي مفادها أن “السوق والتفرد والحرية الكلاسيكية هي كل شيء”، فشلت في التنسيق بين نفسها وبين الفوائد المتمثلة في إغلاق الحدود وتعليق العمليات الاجتماعية. فما ركزت الولايات المتحدة عليه في بداية تفشي الوباء هو إعادة فتح البلاد في أقرب وقت ممكن بدلا من القضاء على الفيروس.
مثل تأخره في الاستجابة للفيروس، قام ترامب بتخليص بلاده من الإغلاق والتعليق، وصار غير مبال للارتداد الفوري للوضع الوبائي. ثم تحدث عن الأعمال وألقى اللوم على الصين ووضع المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو على شاشة التلفزيون متباهيا بـ”الانتعاش الاقتصادي على شكل V” وركز على الأسواق. ولكن تصرفات ترامب وولاياته التي تطابقت مع ما ذكرناه أعلاه ارتكبت خطأ كبيرا بأن الاقتصاد والمناخ التجاري لا يمكنهما الانتعاش في بيئة خالية من الثقة والاستقرار. فالحل الأكثر فعالية للاقتصاد الأمريكي هو القضاء على الفيروس أولا.
الوضع الوبائي في الولايات المتحدة صار أسوأ مما كان عليه بسبب التقدير والأوليات الخاطئة. إنه ليس من “موجة ثانية”، بل ارتداد موجة أولى. فالولايات المتحدة عادت إلى الوضع الحرج مرة أخرى في مواجهة تفشي الوباء الشامل وسط مناطق جغرافية أوسع حيث تكون أفاق الاقتصاد أسوأ.
بقلم توم فودي، محلل بريطاني متخصص في العلاقات السياسية والدولية.