شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
د. كاوه محمود
لاتزال الولايات المتحدة الامريكية تمارس سياسة تشويه الحقائق حول فيروس كوبيد19 وانتشاره في العالم وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية من خلال توجيه الاتهام مرة الى الصين متحججا بعدم قيام الصين بتزويد دول العالم بالمعلومات الكافية حول الفايروس، وتوجيه الاتهام مرة أخرى الى منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة وقطع حصة الولايات المتحدة من المعونة اللازمة تقديمها الى هذه المنظمة الدولية، بذريعة عدم تعاملها الجاد مع هذه الجانحة التي اجتاحت العالم.
وفي الوقت الذي نبَّه الصين الى مخاطر الوباء مؤكداً على ضرورة تعامل البشرية جمعاء وتشارك المجتمع الدولي في مواجهة هذا الوباء الخطير، كانت ادارة ترامب تستخف بهذا الوباء، وانطلاقا من خطاب الكراهية الذي طالما مارسه ترامب في تصريحاته وخطاباته السياسية، قام بتسمية هذا الوباء بالفايروس الصيني، وأدلى بتصريحات متناقضة مع تصريحات مستشار البيت الابيض في المجال الصحي، و بدلاً من اتخاذ الاجراءات الوقائية للحيلولة من انتشار هذا الوباء، أراد أن يهيأ الرأي العام الأمريكي لتقبل فقدان الآلاف من الأمريكيين والتعايش مع هذا الوباء الخطير.
غير ان انتشار الوباء والاصابات الكبيرة بين المواطنين، وتنبُأ النماذج الإحصائية الأمريكية بموت 100-240 ألف شخص، وما تعرض له الاقتصاد الامريكي من أزمة اقتصادية تفوق الأزمة المالية في سنتي 2008، 2009، جعلت الولايات المتحدة الامريكية تخصص تريلونين و 200 مليار دولار، للتعامل مع آثار الوباء، غير ان أكثرية هذه الاموال تصرف لحماية الشركات الرأسمالية الكبيرة في حين يتعرض العمال والأجراء للبطالة والفقر وتخصص نسبة قليلة من هذه الاموال وهي 117 مليار دولار للمجال الصحي.
والسؤال الاساسي لماذا تقوم ادارة ترامب بتوجيه الاكاذيب الى دور الصين ومنظمة الصحة العالمية في سياق التعامل مع هذا الوباء الخطير؟
قد يكون الجواب واضحا لأوساط واسعة في الرأس العام العالمي اذ تتم المقارنة بين تعامل الصين مع الوباء وقيامه ببناء أكبر مستشفى لتقديم الخدمات للمصابين والعناية بهم في مدة لم تتجاوز ستة أيام، والتلاحم الكبير بين الحكومة الصينية و الشعب الصيني في العمل المشترك المضني والتطوع من كافة الاقاليم والمقاطعات الصينية لمساعدة مدينة ووهان التي انتشر فيها المرض، وقيام الحكومة الصينية بتقديم كل الحاجات اليومية لمدينة تزداد عدد سكانها على أحد عشر مليون نسمة كانوا في الحجر الصحي، والعمل من أجل اعادة تدوير عجلة الاقتصاد وتقديم المعونات لحماية المنتجين والعمال، في وقت يطلب ترامب من الأمريكيين التهيؤ لأسبوعين قاسيين سيمران على أمريكا، ولا يدرك مخاطر الوباء على حياة الناس بل يستخف به.
لقد بدأ الرأي العام العالمي يدرك ان التعامل مع هذا الوباء ومع كل المخاطر التي تواجه البشرية ينبع من الرؤية الى مستقبل البشرية والنظرة الى الانسان وسلامته. ففي الوقت الذي سعت الحكومة الصينية الى الاهتمام بالصحة العامة خلال السنوات الماضية وايجاد أنظمة فاعلة للضمان الصحي والتوجه لبناء المستشفيات في كافة مناطق البلاد وحماية مواطنيها صحياً، تراجعت الخدمات الصحية في الولايات المتحدة الامريكية. فعلى سبيل المثال كان عدد الاسرة في مستشفيات نيويورك 73 ألف سرير قبل عشرين عاماً، وتقلص هذا العدد في نهاية 2019 إلى 53 ألف سرير. أي أن الولاية خسرت 20 ألف سريرا في 20 سنة، اضافة الى محدودية الخدمات الصحية التي تقدمها شركات التأمين الصحي.
لقد شهدت أنظمة الصحة العامة تدهوراً كبيراً في أمريكا وأغلب الدول الأوروبية، وفشلت هذه الأنظمة في مجال التعامل مع الوباء وحماية المواطنين وتقديم الخدمات الصحية لهم، مما أدى الى زيادة عدد الاصابات التي وصلت حسب احصاءيات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها يوم كتابة هذا المقال أي الأربعاء في التاسع والعشرين من نيسان في الولايات المتحدة الى 1005147 حالة بزيادة 23901 حالة عن الإحصاء السابق، في حين زاد عدد المتوفين 2247 ليصل إجمالي الوفيات إلى 57505.
أما ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فقد تراكمت الأضرار الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، حيث تقدم 6.6 مليون أمريكي على نحو غير مسبوق، للحصول على إعانات البطالة، واشتدت المنافسة على الكمامات وغيرها من معدات الوقاية.
وبلغ عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم في الولايات المتحدة 10 ملايين شخص خلال أسبوعين فقط بسبب تفشي المرض. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد الى 30 مليون شخص.
ان السبب الحقيقي في فشل الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول في حماية مواطنيها من وباء الكورونا يرجع الى السياسات المتبعة في هذه البلدان، وهي سياسات تنتهج الليبرالية الجديدة وآليات السوق المنفلتة وتوجيه الانفاق العام نحو المزيد من العسكرة واخضاع الصحة العامة لتلك الآليات التي تفكر في الربح وتراكم الثروة أكثر من اهتمامها بحياة الانسان وحماية البيئة واجراء البحوث التي تخدم التقدم العلمي في مجال البحوث التي تخدم الجوانب البايولوجية.
ان الأزمات التي تعصف بالعالم الرأسمالي وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية ليست نتاج وباء الكورونا، بل ان انتشار الوباء والتعامل السيئ في مواجهته والتعثر في حماية الناس، و تدعايات الأزمة الاقتصادية نتاج النهج النيوليبرالي في ادارة الاقتصاد و التعامل مع القضايا المتعقلة بصحة البشرية وحماية البيئة و مسائل التنمية في العالم. ولذا فان عالم اليوم أمام منعطف واضح ضمن خيارين يتعلقان بمستقبل البشرية. الخيار الأول هو خيار الليبرالية الجديدة والشركات الامبريالية التي تمثلها ادارة ترامب والمعيار الأساسي لها هو الربح وتراكم ثروات تلك الشركات والمؤسسات التي تريد التحكم في الاقتصاد العالمي على حساب الصحة العامة للبشرية وافقار الفئات المهمشة واعتماد الشعبوية السياسية وخطاب الكراهية وصراع الحضارات عبر فرض القطب الواحد في السياسة الدولية وتأجيج بؤر التوتر و الانفاق العسكري وتقليل النفقات التي تخدم الصالح العام في المجتمعات، وتسعى الى ايجاد مبررات واهية لفشلها الذريع كما هو الحال في تعاملها ومواجهتها للوباء الخطير الحالي، والبحث عن شماعة لتحميلها اسباب الفشل وبالشكل الذي نلمسه في تصريحات الادارة الامريكية وسعيها لتحميل الجانب الصيني ومنظمة الصحة العالمية مسؤولية الفشل الذريع في مواجهة الوباء في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
أما الخيار الثاني فهو خيار مجتمع المصير المشترك للبشرية عبر التعايش السلمي والشراكة والفوز المشترك والأيمان بتعددية الحضارات العالمية ومساهماتها، وتحقيق التنمية وانهاء بؤر التوتر و حل قضية الفقر والاهتمام بالصحة العامة وسلامة البشرية. وهذا هو خيار الصين وكل الشعوب التواقة للتحرر والتقدم الاجتماعي.
*#الدكتور_محمود_كاوه, كاتب وباحث، وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي #الكوردستاني، ووزير الثقافة السابق في إقليم #كردستان – العراق، وصديق مُقرّب للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين.