اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية… نحو اقتصاد عالمي قائم على التعددية
منذ 4 سنوات في 19/نوفمبر/2020
النهار العربي/
بقلم: وارف قميحة*
“تعيش البشرية في قرية عالمية حيث تتشابك فيها مصالح وأقدار جميع الدول”. هذا ما أدلى به الرئيس الصيني شي جينبينغ، خلال كلمة ألقاها الأسبوع الفائت في الاجتماع الـ20 لمجلس رؤساء الدول في منظمة شانغهاي للتعاون الذي انعقد في بكين، مشيراً إلى أن حسن الجوار والصداقة سيتغلبان على نهج إفقار الجار وسيحل التعاون متبادل النفع محل اللعبة الصفرية. بالتأكيد إن التاريخ أثبت وسوف يظل يثبت أن التعددية سوف تنتصر على الأحادية.
ترجمة هذا الكلام كان عبر العديد من المحطات والاتفاقات، وليس آخرها توقيع “اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” (RCEP) في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 في ختام قمة افتراضية لقادة دول جنوب شرقي آسيا، الباحثين عن إنعاش اقتصاداتهم المتضررة جرّاء تفشي كوفيد-19. وتمثل الدول الـ15 المشاركة في اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة نحو 30 في المئة من سكان العالم، والناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتجارة العالمية.
جاء التوقيع من الدول الأعضاء في دول آسيان العشر والصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، وترك الاتفاق الباب مفتوحاً أمام الهند، التي لم تنضم بسبب مخاوف محلية قوية لمتطلبات فتح السوق، حيث عرضت بكين معالجة هذه المخاوف من خلال أطر زمنية أطول للإلغاء التدريجي للتعرفات، لكن نيودلهي كانت تأمل في انتزاع المزيد من التنازلات قبل انسحابها.
بعد أكثر من 30 جولة من المفاوضات، التي انطلقت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أي بعد ثماني سنوات من العمل الشاق، وصلنا رسمياً إلى “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” وفق رئيس وزراء فيتنام، نغوين شوان فوك، وبالتالي السماح لأعضاء آسيان بأن يكونوا شركاء ديناميكيين وأقوياء في تعزيز التعاون من أجل الرخاء المشترك.
مراسم التوقيع عُرضت عبر مؤتمرات “الفيديو” في قاعة الشعب الكبرى في العاصمة الصينية بكين لما لهذا المبنى من أهمية ورمزية حيث يستخدم في النشاطات التشريعية والاحتفالية التى تستضيفها حكومة جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعى الحاكم، وهي المكان المخصص لعقد جلسات برلمان مجلس الشعب الصيني ومكان انعقاد المؤتمر الإستشاري السياسي للشعب الصيني.
الاتفاق الجديد يمثل ثورة للصين، التي تعد أكبر سوق في المنطقة مع أكثر من 1.3 مليار مستهلك، ما يسمح لبكين بأن تصور نفسها على أنها “بطل العولمة والتعاون متعدد الأطراف ويمنحها القدرة على التأثير في القواعد التي تحكم التجارة الإقليمية”، بحسب ما قاله غاريث ليذر، كبير الاقتصاديين الآسيويين في كابيتال إيكونوميكس، في تقرير له.
رئيس مجلس الدولة الصيني لي كيه تشيانغ، اعتبر “أن توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لا يمثل إنجازاً هائلاً للتعاون الإقليمي في منطقة شرق آسيا فحسب، لكن الأهم هو أنه انتصار للتعددية والتجارة الحرة”. ويقوم بدور محرك مهم يدفع التنمية الاقتصادية العالمية إلى الأمام. وأوضح أنه “يتعين علينا دعم الانفتاح والشمول، وتعميق التعاون الشامل متبادل النفع، والعمل المشترك على جعل الاتفاق منصة رئيسية في التعاون الاقتصادي والتجاري الإقليمي، لتحقيق المنافع لشعوب جميع الدول”.
بدورها، ذكرت وزارة المال الصينية أن “اتفاق الشراكة، حقق نتائج مثمرة في تحرير التجارة في السلع. تستند التخفيضات الجمركية بين الأعضاء في شكل أساسي على التزام التخفيض الفوري للتعرفات إلى الصفر على أن يتم هذا في غضون عشر سنوات، ومن المتوقع أن تحقق منطقة التجارة الحرة نتائج بناء مرحلية كبيرة في فترة زمنية قصيرة نسبياً. وقد توصلت الصين واليابان إلى ترتيبات ثنائية لخفض التعرفة للمرة الأولى، وحققتا تقدماً تاريخياً…
ويمثل الاتفاق سابقة، بضمه قوى شرق آسيا المتنافسة، الصين واليابان وكوريا الجنوبية، في تكتل تجاري حر واحد ووفقاً لاتفاق RCEP، وسيتم إلغاء الرسوم على 61 في المئة من الواردات من قبل أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا وأستراليا ونيوزيلندا، إلى جانب 56 في المئة من الصين و49 في المئة من كوريا الجنوبية.
التعددية تنتصر على الأحادية
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بداية تسعينات القرن الماضي، استشعرت الولايات المتحدة خطورة نمو الصين الاقتصادي وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لسيادتها في العالم، وبناء على ذلك وضعت مجموعة من الخطط لاحتواء الصين على المستويين الدولي والإقليمي. تطورت هذه الخطط خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتبلورت عبر مشروعين هما مشروع “محور آسيا” ومعاهدة التجارة الحرّة المسمى “التجارة عبر الهادي” (TPP)، والتي ضمت كل دول شرق آسيا باستثناء الصين، واعتمدت على توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول لتجعل ارتباطها بأميركا أقوى من ارتباطها بالصين. وبعد 3 أيام فقط من وصوله الى البيت الأبيض سارع الرئيس دونالد ترامب الى سحب مشاركة الولايات المتحدة من اتفاق (TPP) ما افقدها فعاليتها.
في الواقع، لا تدوم الفراغات لمدة طويلة. وفي علم الأحياء، يمثل الاستتباب المجهود الذي يبذله الجسم للحفاظ على التوازن. فعندما يحدث فراغ ما، تتدفق عناصر إلى المناطق التي تقل فيها الكثافة إلى أن يحصل التوازن. وقد يحدث الأمر نفسه في السياسة والاقتصاد. تمثل هذه الحقيقة الصادمة التي قد يكون كثير من الأميركيين قد اكتشفوها اليوم للتو، نتيجة مباشرة لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قدَّم نفسه باعتباره الرئيس الذي سيُوقف الزحف الصيني، ولكنه أسهم في تنحية بلاده عن المسرح الاقتصادي الآسيوي. ووفقاً لإيفان فيجنباوم، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن الولايات المتحدة الآن خارج الاتفاقين “اللذين سيضعان معايير التجارة والاستثمار في آسيا لجيل كامل”.
نائب رئيس قسم آسيا في غرفة التجارة الأميركية تشارلز فريمان، قال أخيراً، إنني “لست متأكداً من أنه سيكون هناك الكثير من التركيز للعودة إلى اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ خلال السنة الأولى تقريباً (من رئاسة بايدن) لأن التركيز سيكون على التعافي من كورونا.
في ميزان الربح والخسارة تبقى الصين الرابح الأكبر في سعيها الدائم الى بذل جهود حثيثة لبناء اقتصاد عالمي مفتوح، في مواجهة إساءة استخدام مفهوم الأمن الوطني بهدف الحمائية.
*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والابحاث – كونفوشيوس